ومنها: إذا أوصى بما يكون قربة في حقنا ولا يكون قربة في معتقدهم، كما إذا أوصى بالحج أو بأن يبنى مسجد للمسلمين أو بأن يسرج في مساجد المسلمين، فهذه الوصية باطلة بالإجماع اعتبارا لاعتقادهم، إلا إذا كان لقوم بأعيانهم لوقوعه تمليكا لأنهم معلومون والجهة مشورة.
ومنها: إذا أوصى بما يكون قربة في حقنا وفي حقهم، كما إذا أوصى بأن يسرج في بيت المقدس أو يغزى الترك وهو من الروم، وهذا جائز سواء كانت لقوم بأعيانهم أو بغير أعيانهم لأنه وصية بما هو قربة حقيقة وفي معتقدهم أيضا.
ومنها: إذا أوصى بما لا يكون قربة لا في حقنا ولا في حقهم، كما إذا أوصى للمغنيات والنائحات، فإن هذا غير جائز لأنه معصية في حقنا وفي حقهم، إلا أن يكون لقوم بأعيانهم فيصح تمليكا واستخلافا، وصاحب الهوى إن كان لا يكفر فهو في حق الوصية بمنزلة المسلم لأنا أمرنا ببناء الأحكام على الظاهر، وإن كان يكفر فهو بمنزلة المرتد فيكون على الخلاف المعروف في تصرفاته بين أبي حنيفة وصاحبيه.
وفي المرتدة الأصح أنه تصح وصاياها لأنها تبقى على الردة، بخلاف المرتد لأنه يقتل أو يسلم.
قال:"وإذا دخل الحربي دارنا بأمان فأوصى لمسلم أو ذمي بماله كله جاز" لأن امتناع الوصية بما زاد على الثلث لحق الورثة ولهذا تنفذ بإجازتهم، وليس لورثته حق مرعي لكونهم في دار الحرب إذ هم أموات في حقنا، ولأن حرمة ماله باعتبار الأمان، والأمان كان لحقه لا لحق ورثته، ولو كان أوصى بأقل من ذلك أخذت الوصية ويرد الباقي على ورثته وذلك من حق المستأمن أيضا. ولو أعتق عبده عند الموت أو دبر عبده في دار الإسلام فذلك صحيح منه من غير اعتبار الثلث لما بينا، وكذلك لو أوصى له مسلم أو ذمي بوصية جاز لأنه ما دام في دار الإسلام فهو في المعاملات بمنزلة الذمي، ولهذا تصح عقود التمليكات منه في حال حياته، ويصح تبرعه في حياته فكذا بعد مماته.
وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه لا يجوز لأنه مستأمن من أهل الحرب إذ هو على قصد الرجوع ويمكن منه، ولا يمكن من زيادة المقام على السنة إلا بالجزية. ولو أوصى الذمي بأكثر من الثلث أو لبعض ورثته لا يجوز اعتبارا بالمسلمين لأنهم التزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات. ولو أوصى لخلاف ملته جاز اعتبارا بالإرث إذ الكفر كله ملة واحدة، ولو أوصى لحربي. في دار الإسلام لا يجوز لأن الإرث ممتنع لتباين الدارين والوصية أخته، والله أعلم.