قال:"ولا تصح ولاية القاضي حتى يجتمع في المولى شرائط الشهادة ويكون من أهل الاجتهاد" أما الأول فلأن حكم القضاء يستقى من حكم الشهادة لأن كل واحد منهما من باب الولاية، فكل من كان أهلا للشهادة يكون أهلا للقضاء وما يشترط لأهلية الشهادة يشترط لأهلية القضاء. والفاسق أهل للقضاء حتى لو قلد يصح، إلا أنه لا ينبغي أن يقلد كما في حكم الشهادة فإنه لا ينبغي أن يقبل القاضي شهادته، ولو قبل جاز عندنا. ولو كان القاضي عدلا ففسق بأخذ الرشوة أو غيره لا ينعزل ويستحق العزل، وهذا هو ظاهر المذهب وعليه مشايخنا رحمهم الله. وقال الشافعي رحمه الله: الفاسق لا يجوز قضاؤه كما لا تقبل شهادته عنده، وعن علمائنا الثلاثة رحمهم الله في النوادر أنه لا يجوز قضاؤه. وقال بعض المشايخ رحمهم الله: إذا قلد الفاسق ابتداء يصح، ولو قلد وهو عدل ينعزل بالفسق لأن المقلد اعتمد عدالته فلم يكن راضيا بتقليده دونها. وهل يصلح الفاسق مفتيا؟ قيل لا لأنه من أمور الدين وخبره غير مقبول في الديانات، وقيل يصلح لأنه يجتهد كل الجهد في إصابة الحق حذار النسبة إلى الخطإ، وأما الثاني فالصحيح أن أهلية الاجتهاد شرط الأولوية. فأما تقليد الجاهل فصحيح عندنا خلافا للشافعي رحمه الله، وهو يقول: إن الأمر بالقضاء يستدعي القدرة عليه ولا قدرة دون العلم. ولنا أنه يمكنه أن يقضي بفتوى غيره، ومقصود القضاء يحصل به وهو إيصال الحق إلى مستحقه. وينبغي للمقلد أن يختار من هو الأقدر والأولى لقوله عليه الصلاة والسلام:"من قلد إنسانا عملا وفي رعيته من هو أولى منه فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين". وفي حد الاجتهاد كلام عرف في أصول الفقه.
وحاصله أن يكون صاحب حديث له معرفة بالفقه ليعرف معاني الآثار أو صاحب فقه له معرفة بالحديث لئلا يشتغل بالقياس في المنصوص عليه وقيل أن يكون مع ذلك صاحب قريحة يعرف بها عادات الناس لأن من الأحكام ما يبتني عليها.
قال:"ولا بأس بالدخول في القضاء لمن يثق بنفسه أن يؤدي فرضه" لأن الصحابة رضي الله عنهم تقلدوه وكفى بهم قدوة، ولأنه فرض كفاية لكونه أمرا بالمعروف.