قال:"الإجارة تفسدها الشروط كما تفسد البيع"؛ لأنه بمنزلته، ألا ترى أنه عقد يقال ويفسخ "والواجب في الإجارة الفاسدة أجر المثل لا يجاوز به المسمى" وقال زفر والشافعي: يجب بالغا ما بلغ اعتبارا ببيع الأعيان. ولنا أن المنافع لا تتقوم بنفسها بل بالعقد لحاجة الناس فيكتفى بالضرورة في الصحيح منها، إلا أن الفاسد تبع له، ويعتبر ما يجعل بدلا في الصحيح عادة، لكنهما إذا اتفقا على مقدار في الفاسد فقد أسقطا الزيادة، وإذا نقص أجر المثل لم يجب زيادة المسمى لفساد التسمية، بخلاف البيع؛ لأن العين متقومة في نفسها وهي الموجب الأصلي، فإن صحت التسمية انتقل عنه وإلا فلا.
قال:"ومن استأجر دارا كل شهر بدرهم فالعقد صحيح في شهر واحد فاسد في بقية الشهور، إلا أن يسمي جملة شهور معلومة"؛ لأن الأصل أن كلمة كل إذا دخلت فيما لا نهاية له تنصرف إلى الواحد لتعذر العمل بالعموم فكان الشهر الواحد معلوما فصح العقد فيه، وإذا تم كان لكل واحد منهما أن ينقض الإجارة لانتهاء العقد الصحيح "ولو سمى جملة شهور معلومة جاز"؛ لأن المدة صارت معلومة.
قال:"وإن سكن ساعة من الشهر الثاني صح العقد فيه ولم يكن للمؤجر أن يخرجه إلى أن ينقضي، وكذلك كل شهر سكن في أوله ساعة"؛ لأنه تم العقد بتراضيهما بالسكنى في الشهر الثاني، إلا أن الذي ذكره في الكتاب هو القياس، وقد مال إليه بعض المشايخ، وظاهر الرواية أن يبقى الخيار لكل واحد منهما في الليلة الأولى من الشهر الثاني ويومها؛ لأن في اعتبار الأول بعض الحرج.
قال:"وإن استأجر دارا سنة بعشرة دراهم جاز وإن لم يبين قسط كل شهر من الأجرة"؛ لأن المدة معلومة بدون التقسيم فصار كإجارة شهر واحد فإنه جائز وإن لم يبين قسط كل يوم، ثم يعتبر ابتداء المدة مما سمى وإن لم يسم شيئا فهو من الوقت الذي استأجره؛ لأن الأوقات كلها في حق الإجارة على السواء فأشبه اليمين، بخلاف الصوم؛ لأن الليالي ليست بمحل له "ثم إن كان العقد حين يهل الهلال فشهور السنة كلها بالأهلة"؛ لأنها هي الأصل "وإن كان في أثناء الشهر فالكل بالأيام" عند أبي حنيفة وهو رواية عن أبي يوسف. وعند محمد وهو رواية عن أبي يوسف الأول بالأيام والباقي بالأهلة؛ لأن الأيام يصار إليها ضرورة، والضرورة في الأول منها. وله أنه متى تم الأول بالأيام ابتدأ الثاني بالأيام ضرورة وهكذا إلى آخر السنة، ونظيره العدة وقد مر في الطلاق.