قال:"إذا رجع الشهود عن شهادتهم قبل الحكم بها سقطت" لأن الحق إنما يثبت بالقضاء والقاضي لا يقضي بكلام متناقض ولا ضمان عليهما لأنهما ما أتلفا شيئا لا على المدعي ولا على المشهود عليه "فإن حكم بشهادتهم ثم رجعوا لم يفسخ الحكم" لأن آخر كلامهم يناقض أوله فلا ينقض الحكم بالتناقض ولأنه في الدلالة على الصدق مثل الأول، وقد ترجح الأول باتصال القضاء به "وعليهم ضمان ما أتلفوه بشهادتهم" لإقرارهم على أنفسهم بسبب الضمان، والتناقض لا يمنع صحة الإقرار، وسنقرره من بعد إن شاء الله تعالى.
"ولا يصح الرجوع إلا بحضرة الحاكم" لأنه فسخ للشهادة فيختص بما تختص به الشهادة من المجلس وهو مجلس القاضي أي قاض كان، ولأن الرجوع توبة والتوبة على حسب الجناية، فالسر بالسر والإعلان بالإعلان. وإذا لم يصح الرجوع في غير مجلس القاضي، فلو ادعى المشهود عليه رجوعهما وأراد يمينهما لا يحلفان، وكذا لا تقبل بينته عليهما لأنه ادعى رجوعا باطلا، حتى لو أقام البينة أنه رجع عند قاضي كذا وضمنه المال تقبل لأن السبب صحيح. "وإذا شهد شاهدان بمال فحكم الحاكم به ثم رجعا ضمنا المال المشهود عليه" لأن التسبيب على وجه التعدي سبب الضمان كحافر البئر وقد سببا للإتلاف تعديا. وقال الشافعي رحمه الله: لا يضمنان لأنه لا عبرة للتسبيب عند وجود المباشرة. قلنا: تعذر إيجاب الضمان على المباشر وهو القاضي لأنه كالملجإ إلى القضاء، وفي إيجابه صرف الناس عن تقلده وتعذر استيفائه من المدعي لأن الحكم ماض فاعتبر التسبيب، وإنما يضمنان إذا قبض المدعي المال دينا كان أو عينا، لأن الإتلاف به يتحقق، ولأنه لا مماثلة بين أخذ العين وإلزام الدين.
قال:"فإن رجع أحدهما ضمن النصف" والأصل أن المعتبر في هذا بقاء من بقي لا رجوع من رجع وقد بقي من يبقى بشهادته نصف الحق "وإن شهدا بالمال ثلاثة فرجع أحدهم فلا ضمان عليه" لأنه بقي من بقي بشهادته كل الحق، وهذا لأن الاستحقاق باق