"وإن قال المدعى عليه هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب أو رهنه عندي أو غصبته منه وأقام بينة على ذلك فلا خصومة بينه وبين المدعي" وكذا إذا قال: آجرنيه وأقام البينة لأنه أثبت ببينته أن يده ليست بيد خصومة. وقال ابن شبرمة: لا تندفع الخصومة لأنه تعذر إثبات الملك للغائب لعدم الخصم عنه ودفع الخصومة بناء عليه.
قلنا: مقتضى البينة شيئان ثبوت الملك للغائب ولا خصم فيه فلم يثبت، ودفع خصومة المدعي وهو خصم فيه فيثبت وهو كالوكيل بنقل المرأة وإقامتها البينة على الطلاق كما بيناه من قبل، ولا تندفع بدون إقامة البينة كما قاله ابن أبي ليلى لأنه صار خصما بظاهر يده، فهو بإقراره يريد أن يحول حقا مستحقا على نفسه فلا يصدق إلا بالحجة، كما إذا ادعى تحول الدين من ذمته إلى ذمة غيره.
"وقال أبو يوسف رحمه الله: إن كان الرجل صالحا فالجواب كما قلناه، وإن كان معروفا بالحيل لا تندفع عنه الخصومة" لأن المحتال من الناس قد يدفع ماله إلى مسافر يودعه إياه ويشهد عليه الشهود فيحتال لإبطال حق غيره، فإذا اتهمه القاضي به لا يقبله.
"ولو قال الشهود: أودعه رجل لا نعرفه لا تندفع عنه الخصومة" لاحتمال أن يكون المودع هو هذا المدعي، ولأنه ما أحاله إلى معين يمكن للمدعي اتباعه، فلو اندفعت لتضرر به المدعي، ولو قالوا نعرفه بوجهه ولا نعرفه باسمه ونسبه فكذلك الجواب عند محمد للوجه الثاني، وعند أبي حنيفة تندفع لأنه أثبت ببينته أن العين وصل إليه من جهة غيره حيث عرفه الشهود بوجهه، بخلاف الفصل الأول فلم تكن يده يد خصومة وهو المقصود، والمدعي هو الذي أضر بنفسه حيث نسي خصمه أو أضره شهوده، وهذه المسألة مخمسة كتاب الدعوى وقد ذكرنا الأقوال الخمسة. "وإن قال: ابتعته من الغائب فهو خصم" لأنه لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما "وإن قال المدعي: غصبته مني أو سرقته مني لا تندفع الخصومة وإن أقام ذو اليد البينة على الوديعة" لأنه إنما صار خصما بدعوى الفعل عليه لا بيده، بخلاف دعوى الملك المطلق لأنه خصم فيه باعتبار يده حتى لا يصح دعواه على غير ذي اليد ويصح دعوى الفعل. "وإن قال المدعي: سرق مني وقال صاحب اليد: أودعنيه فلان وأقام البينة لم تندفع الخصومة" وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو استحسان، وقال محمد: تندفع لأنه لم يدع الفعل عليه فصار كما إذا قال: غصب مني على ما لم يسم فاعله. ولهما أن ذكر الفعل يستدعي الفاعل