قال:"الأجرة لا تجب بالعقد وتستحق بأحد معان ثلاثة: إما بشرط التعجيل، أو بالتعجيل من غير شرط، أو باستيفاء المعقود عليه".
وقال الشافعي: تملك بنفس العقد؛ لأن المنافع المعدومة صارت موجودة حكما ضرورة تصحيح العقد فيثبت الحكم فيما يقابله من البدل. ولنا أن العقد ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المنافع على ما بينا، والعقد معاوضة، ومن قضيتها المساواة، فمن ضرورة التراخي في جانب المنفعة التراخي في البدل الآخر. وإذا استوفى المنفعة يثبت الملك في الأجر لتحقق التسوية. وكذا إذا شرط التعجيل أو عجل؛ لأن المساواة تثبت حقا له وقد أبطله. "وإذا قبض المستأجر الدار فعليه الأجر وإن لم يسكنها"؛ لأن تسليم عين المنفعة لا يتصور فأقمنا تسليم المحل مقامه إذ التمكن من الانتفاع يثبت به.
قال:"فإن غصبها غاصب من يده سقطت الأجرة"؛ لأن تسليم المحل إنما أقيم مقام تسليم المنفعة للتمكن من الانتفاع، فإذا فات التمكن فات التسليم، وانفسخ العقد فسقط الأجر، "وإن وجد الغصب في بعض المدة سقط الأجر بقدره". إذ الانفساخ في بعضها.
قال:"ومن استأجر دارا فللمؤجر أن يطالبه بأجرة كل يوم"؛ لأنه استوفى منفعة مقصودة "إلا أن يبين وقت الاستحقاق بالعقد"؛ لأنه بمنزلة التأجيل "وكذلك إجارة الأراضي" لما بينا. "ومن استأجر بعيرا إلى مكة فللجمال أن يطالبه بأجرة كل مرحلة"؛ لأن سير كل مرحلة مقصود. وكان أبو حنيفة يقول أولا: لا يجب الأجر إلا بعد انقضاء المدة وانتهاء السفر وهو قول زفر؛ لأن المعقود عليه جملة المنافع في المدة فلا يتوزع الأجر على أجزائها، كما إذا كان المعقود عليه العمل. ووجه القول المرجوع إليه أن القياس يقتضي استحقاق الأجر ساعة فساعة لتحقق المساواة، إلا أن المطالبة في كل ساعة تفضي إلى أن لا يتفرغ لغيره فيتضرر به، فقدرنا بما ذكرنا.
قال:"وليس للقصار والخياط أن يطالب بأجره حتى يفرغ من العمل"؛ لأن العمل في البعض غير منتفع به فلا يستوجب به الأجر، وكذا إذا عمل في بيت المستأجر لا يستوجب الأجر قبل الفراغ لما بينا. قال:"إلا أن يشترط التعجيل" لما مر أن الشرط فيه لازم.
قال: "ومن استأجر خبازا ليخبز له في بيته قفيزا من دقيق بدرهم لم يستحق الأجر