حتى يخرج الخبز من التنور"؛ لأن تمام العمل بالإخراج. فلو احترق أو سقط من يده قبل الإخراج فلا أجر له للهلاك قبل التسليم، "فإن أخرجه ثم احترق من غير فعله فله الأجر"؛ لأنه صار مسلما إليه بالوضع في بيته، ولا ضمان عليه؛ لأنه لم توجد منه الجناية. قال: وهذا عند أبي حنيفة؛ لأنه أمانة في يده، وعندهما يضمن مثل دقيقه ولا أجر له؛ لأنه مضمون عليه فلا يبرأ إلا بعد حقيقة التسليم، وإن شاء ضمنه الخبز، وأعطاه الأجر.
قال: "ومن استأجر طباخا ليطبخ له طعاما للوليمة فالعرف عليه" اعتبارا للعرف.
قال: "ومن استأجر إنسانا ليضرب له لبنا استحق الأجر إذا أقامها عند أبي حنيفة، وقالا: لا يستحقها حتى يشرجها"؛ لأن التشريج من تمام عمله، إذ لا يؤمن من الفساد قبله فصار كإخراج الخبز من التنور؛ ولأن الأجير هو الذي يتولاه عرفا وهو المعتبر فيما لم ينص عليه. ولأبي حنيفة أن العمل قد تم بالإقامة، والتشريج عمل زائد كالنقل، ألا ترى أنه ينتفع به قبل التشريج بالنقل إلى موضع العمل، بخلاف ما قبل الإقامة؛ لأنه طين منتشر، وبخلاف الخبز؛ لأنه غير منتفع به قبل الإخراج.
قال: "وكل صانع لعمله أثر في العين كالقصار والصباغ فله أن يحبس العين حتى يستوفي الأجر"؛ لأن المعقود عليه وصف قائم في الثوب فله حق الحبس؛ لاستيفاء البدل كما في المبيع، ولو حبسه فضاع لا ضمان عليه عند أبي حنيفة؛ لأنه غير متعد في الحبس فبقي أمانة كما كان عنده، ولا أجر له لهلاك المعقود عليه قبل التسليم. وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: العين كانت مضمونة قبل الحبس فكذا بعده، لكنه بالخيار إن شاء ضمنه قيمته غير معمول ولا أجر له، وإن شاء ضمنه معمولا وله الأجر، وسيبين من بعد إن شاء الله تعالى.
قال: "وكل صانع ليس لعمله أثر في العين فليس له أن يحبس العين للأجر كالحمال والملاح"؛ لأن المعقود عليه نفس العمل وهو غير قائم في العين فلا يتصور حبسه فليس له ولاية الحبس وغسل الثوب نظير الحمل، وهذا بخلاف الآبق حيث يكون للراد حق حبسه لاستيفاء الجعل، ولا أثر لعمله؛ لأنه كان على شرف الهلاك وقد أحياه فكأنه باعه منه فله حق الحبس، وهذا الذي ذكرنا مذهب علمائنا الثلاثة. وقال زفر: ليس له حق الحبس في الوجهين؛ لأنه وقع التسليم باتصال المبيع بملكه فيسقط حق الحبس. ولنا أن الاتصال بالمحل ضرورة إقامة تسليم العمل فلم يكن هو راضيا به من حيث أنه تسليم فلا يسقط حق الحبس كما إذا قبض المشتري بغير رضا البائع.