قال:"الأجراء على ضربين: أجير مشترك، وأجير خاص. فالمشترك من لا يستحق الأجرة حتى يعمل كالصباغ والقصار"؛ لأن المعقود عليه إذا كان هو العمل أو أثره كان له أن يعمل للعامة؛ لأن منافعه لم تصر مستحقة لواحد، فمن هذا الوجه يسمى مشتركا.
قال:"والمتاع أمانة في يده إن هلك لم يضمن شيئا عند أبي حنيفة رحمه الله وهو قول زفر، ويضمنه عندهما إلا من شيء غالب كالحريق الغالب والعدو المكابر" لهما ما روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما كانا يضمنان الأجير المشترك؛ ولأن الحفظ مستحق عليه إذ لا يمكنه العمل إلا به، فإذا هلك بسبب يمكن الاحتراز عنه كالغصب والسرقة كان التقصير من جهته فيضمنه كالوديعة إذا كانت بأجر، بخلاف ما لا يمكن الاحتراز عنه كالموت حتف أنفه والحريق الغالب وغيره؛ لأنه لا تقصير من جهته. ولأبي حنيفة رحمه الله أن العين أمانة في يده؛ لأن القبض حصل بإذنه، ولهذا لو هلك بسبب لا يمكن التحرز عنه لم يضمنه، ولو كان مضمونا لضمنه كما في المغصوب، والحفظ مستحق عليه تبعا لا مقصودا ولهذا لا يقابله الأجر، بخلاف المودع بأجر؛ لأن الحفظ مستحق عليه مقصودا حتى يقابله الأجر.
قال:"وما تلف بعمله، فتخريق الثوب من دقه وزلق الحمال وانقطاع الحبل الذي يشد به المكاري الحمل وغرق السفينة من مده مضمون عليه". وقال زفر والشافعي رحمهما الله: لا ضمان عليه؛ لأنه أمره بالفعل مطلقا فينتظمه بنوعيه المعيب والسليم وصار كأجير الوحد ومعين القصار. ولنا أن الداخل تحت الإذن ما هو الداخل تحت العقد وهو العمل المصلح؛ لأنه هو الوسيلة إلى الأثر وهو المعقود عليه حقيقة، حتى لو حصل بفعل الغير يجب الأجر فلم يكن المفسد مأذونا فيه، بخلاف المعين؛ لأنه متبرع فلا يمكن تقييده بالمصلح؛ لأنه يمتنع عن التبرع، وفيما نحن فيه يعمل بالأجر فأمكن تقييده. وبخلاف أجير الوحد على ما نذكره