"قال أبو حنيفة رحمه الله: لا يحجر على الحر البالغ العاقل السفيه، وتصرفه في ماله جائز وإن كان مبذرا مفسدا يتلف ماله فيما لا غرض له فيه ولا مصلحة. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله وهو قول الشافعي رحمه الله: يحجر على السفيه ويمنع من التصرف في ماله" لأنه مبذر ماله بصرفه لا على الوجه الذي يقتضيه العقل فيحجر عليه نظرا له اعتبارا بالصبي بل أولى، لأن الثابت في حق الصبي احتمال التبذير وفي حقه حقيقته ولهذا منع عنه المال، ثم هو لا يفيد بدون الحجر لأنه يتلف بلسانه ما منع من يده. ولأبي حنيفة رحمه الله أنه مخاطب عاقل فلا يحجر عليه اعتبارا بالرشيد، وهذا لأن في سلب ولايته إهدار آدميته وإلحاقه بالبهائم وهو أشد ضررا من التبذير فلا يتحمل الأعلى لدفع الأدنى، حتى لو كان في الحجر دفع ضرر عام كالحجر على المتطبب الجاهل والمفتي الماجن والمكاري المفلس جاز فيما يروى عنه، إذ هو دفع ضرر الأعلى بالأدنى، ولا يصح القياس على منع المال لأن الحجر أبلغ منه في العقوبة، ولا على الصبي لأنه عاجز عن النظر لنفسه، وهذا قادر عليه نظر له الشرع مرة بإعطاء آلة القدرة والجري على خلافه لسوء اختياره، ومنع المال مفيد لأن غالب السفه في الهبات والصدقات وذلك يقف على اليد.
قال:"وإذا حجر القاضي عليه ثم رفع إلى قاض آخر فأبطل حجره وأطلق عنه جاز" لأن الحجر منه فتوى وليس بقضاء؛ ألا يرى أنه لم يوجد المقضي له والمقضي عليه، ولو كان قضاء فنفس القضاء مختلف فيه فلا بد من الإمضاء، حتى لو رفع تصرفه بعد الحجر إلى