"قال أبو حنيفة: لا أحجر في الدين، وإذا وجبت ديون على رجل وطلب غرماؤه حبسه والحجر عليه لم أحجر عليه" لأن في الحجر إهدار أهليته فلا يجوز لدفع ضرر خاص. "فإن كان له مال لم يتصرف فيه الحاكم" لأنه نوع حجر، ولأنه تجارة لا عن تراض فيكون باطلا بالنص "ولكن يحبسه أبدا حتى يبيعه في دينه" إيفاء لحق الغرماء ودفعا لظلمه "وقالا: إذا طلب غرماء المفلس الحجر عليه حجر القاضي عليه، ومنعه من البيع والتصرف والإقرار حتى لا يضر بالغرماء" لأن الحجر على السفيه إنما جوزاه نظرا له، وفي هذا الحجر نظر للغرماء لأنه عساه يلجئ ماله فيفوت حقهم، ومعنى قولهما ومنعه من البيع أن يكون بأقل من ثمن المثل، أما البيع بثمن المثل لا يبطل حق الغرماء والمنع لحقهم فلا يمنع منه.
قال:"وباع ماله إن امتنع المفلس من بيعه وقسمه بين غرمائه بالحصص عندهما" لأن البيع مستحق عليه لإيفاء دينه حتى يحبس لأجله، فإذا امتنع ناب القاضي منابه كما في الجب والعنة.
قلنا: التلجئة موهومة، والمستحق قضاء الدين، والبيع ليس بطريق متعين لذلك، بخلاف الجب والعنة والحبس لقضاء الدين بما يختاره من الطريق، كيف ولو صح البيع كان الحبس إضرارا بهما بتأخير حق الدائن وتعذيب المديون فلا يكون مشروعا.
قال:"وإن كان دينه دراهم وله دراهم قضى القاضي بغير أمره" وهذا بالإجماع، لأن للدائن حق الأخذ من غير رضاه فللقاضي أن يعينه "وإن كان دينه دراهم وله دنانير أو على ضد ذلك باعها القاضي في دينه" وهذا عند أبي حنيفة استحسان. والقياس أن لا يبيعه كما في العروض، ولهذا لم يكن لصاحب الدين أن يأخذه جبرا. وجه الاستحسان أنهما متحدان في الثمنية والمالية مختلفان في الصورة، فبالنظر إلى الاتحاد يثبت للقاضي ولاية التصرف، وبالنظر إلى الاختلاف يسلب عن الدائن ولاية الأخذ عملا بالشبهين، بخلاف العروض لأن الغرض يتعلق بصورها وأعيانها، أما النقوذ فوسائل فافترقا "ويباع في الدين النقود ثم العروض ثم العقار يبدأ بالأيسر فالأيسر" لما فيه من المسارعة إلى قضاء الدين مع مراعاة جانب المديون "ويترك عليه دست من ثياب بدنه ويباع الباقي" لأن به كفاية وقيل دستان وهو اختيار شمس الأئمة الحلواني، لأنه إذا غسل ثيابه لا بد له من ملبس.
قال:"فإن أقر في حال الحجر بإقرار لزمه ذلك بعد قضاء الديون"، لأنه تعلق بهذا