المال حق الأولين فلا يتمكن من إبطال حقهم بالإقرار لغيرهم، بخلاف الاستهلاك لأنه مشاهد لا مرد له "ولو استفاد مالا آخر بعد الحجر نفذ إقراره فيه" لأن حقهم لم يتعلق به لعدمه وقت الحجر.
قال:"وينفق على المفلس من ماله وعلى زوجته وولده الصغار وذوي أرحامه ممن يجب نفقته عليه" لأن حاجته الأصلية مقدمة على حق الغرماء، ولأنه حق ثابت لغيره فلا يبطله الحجر، ولهذا لو تزوج امرأة كانت في مقدار مهر مثلها أسوة للغرماء.
قال:"فإن لم يعرف للمفلس مال وطلب غرماؤه حبسه وهو يقول لا مال لي حبسه الحاكم في كل دين التزمه بعقد كالمهر والكفالة" وقد ذكرنا هذا الفصل بوجوهه في كتاب أدب القاضي من هذا الكتاب فلا نعيدها, إلى أن قال: وكذلك إن أقام البينة أنه لا مال له: يعني خلى سبيله لوجوب النظرة إلى الميسرة، ولو مرض في الحبس يبقى فيه إن كان له خادم يقوم بمعالجته، وإن لم يكن أخرجه تحرزا عن هلاكه، والمحترف فيه لا يمكن من الاشتغال بعمله هو الصحيح ليضجر قلبه فينبعث على قضاء دينه، بخلاف ما إذا كانت له جارية وفيه موضع يمكنه فيه وطؤها لا يمنع عنه لأنه قضاء إحدى الشهوتين فيعتبر بقضاء الأخرى.
قال:"ولا يحول بينه وبين غرمائه بعد خروجه من الحبس يلازمونه ولا يمنعونه من التصرف والسفر" لقوله عليه الصلاة والسلام: "لصاحب الحق يد ولسان" أراد باليد الملازمة وباللسان التقاضي.
قال:"ويأخذون فضل كسبه يقسم بينهم بالحصص" لاستواء حقوقهم في القوة "وقالا: إذا فلسه الحاكم حال بين الغرماء وبينه إلا أن يقيموا البينة أن له مالا" لأن القضاء بالإفلاس عندهما يصح فتثبت العسرة ويستحق النظرة إلى الميسرة. وعند أبي حنيفة رحمه الله: لا يتحقق القضاء بالإفلاس، لأن مال الله تعالى غاد ورائح، ولأن وقوف الشهود على عدم المال لا يتحقق إلا ظاهرا فيصلح للدفع لا لإبطال حق الملازمة. وقوله إلا أن يقيموا البينة إشارة إلى أن بينة اليسار تترجح على بينة الإعسار لأنها أكثر إثباتا، إذ الأصل هو العسرة. وقوله في الملازمة لا يمنعونه من التصرف والسفر دليل على أنه يدور معه أينما دار ولا يجلسه في موضع لأنه حبس "ولو دخل داره لحاجته لا يتبعه بل يجلس على باب داره إلى أن يخرج" لأن الإنسان لا بد أن يكون له موضع خلوة، ولو اختار المطلوب الحبس والطالب الملازمة فالخيار إلى الطالب لأنه أبلغ في حصول المقصود لاختياره الأضيق عليه إلا إذا