الرهن لغة: حبس الشيء بأي سبب كان وفي الشريعة: جعل الشيء محبوسا بحق يمكن استيفاؤه من الرهن كالديون، وهو مشروع بقوله تعالى:{فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}[البقرة:٢٨٣] وبما روي: "أنه عليه الصلاة والسلام اشترى من يهودي طعاما ورهنه به درعه" وقد انعقد على ذلك الإجماع، ولأنه عقد وثيقة لجانب الاستيفاء فيعتبر بالوثيقة في طرف الوجوب وهي الكفالة.
قال:"الرهن ينعقد بالإيجاب والقبول ويتم بالقبض" قالوا: الركن الإيجاب بمجرده؛ لأنه عقد تبرع فيتم بالمتبرع كالهبة والصدقة والقبض شرط اللزوم على ما نبينه إن شاء الله تعالى وقال مالك: يلزم بنفس العقد؛ لأنه يختص بالمال من الجانبين فصار كالبيع، ولأنه عقد وثيقة فأشبه الكفالة ولنا ما تلونا، والمصدر المقرون بحرف الفاء في محل الجزاء يراد به الأمر، ولأنه عقد تبرع لما أن الراهن لا يستوجب بمقابلته على المرتهن شيئا ولهذا لا يجبر عليه فلا بد من إمضائه كما في الوصية وذلك بالقبض، ثم يكتفي فيه بالتخلية في ظاهر الرواية؛ لأنه قبض بحكم عقد مشروع فأشبه قبض المبيع وعن أبي يوسف رحمه الله أنه لا يثبت في المنقول إلا بالنقل؛ لأنه قبض موجب للضمان ابتداء بمنزلة الغصب، بخلاف الشراء؛ لأنه ناقل للضمان من البائع إلى المشتري وليس بموجب ابتداء والأول أصح.
قال:"وإذا قبضه المرتهن محوزا مفرغا متميزا تم العقد فيه" لوجود القبض بكماله فلزم العقد "وما لم يقبضه فالراهن بالخيار إن شاء سلمه وإن شاء رجع عن الرهن" لما ذكرنا أن اللزوم بالقبض إذ المقصود لا يحصل قبله.
قال:"وإذا سلمه إليه فقبضه دخل في ضمانه" وقال الشافعي رحمه الله: هو أمانة في يده، ولا يسقط شيء من الدين بهلاكه لقوله عليه الصلاة والسلام:"لا يغلق الرهن، قالها ثلاثة، لصاحبه غنمه وعليه غرمه" قال: ومعناه لا يصير مضمونا بالدين، ولأن الرهن وثيقة بالدين فبهلاكه لا يسقط الدين اعتبارا بهلاك الصك، وهذا؛ لأن بعد الوثيقة يزداد معنى الصيانة، والسقوط بالهلاك يضاد ما اقتضاه العقد إذا لحق به يصير بعرض الهلاك وهو ضد الصيانة ولنا قوله عليه الصلاة والسلام للمرتهن بعد ما نفق فرس الرهن عنده "ذهب حقك"