للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا غمى الرهن فهو بما فيه" معناه: على ما قالوا إذا اشتبهت قيمة الرهن بعد ما هلك وإجماع الصحابة والتابعين رضي الله عنهم على أن الراهن مضمون مع اختلافهم في كيفيته، والقول بالأمانة خرق له، والمراد بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يغلق الرهن" على ما قالوا الاحتباس الكلي والتمكن بأن يصير مملوكا له كذا ذكر الكرخي عن السلف ولأن الثابت للمرتهن يد الاستيفاء وهو ملك اليد والحبس؛ لأن الرهن ينبئ عن الحبس الدائم، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:٣٨] وقال قائلهم:

وفارقتك برهن لا فكاك له ... يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا

والأحكام الشرعية تنعطف على الألفاظ على وفق الأنباء، ولأن الرهن وثيقة لجانب الاستيفاء وهو أن تكون موصلة إليه وذلك ثابت له بملك اليد والحبس ليقع الأمن من الجحود مخافة جحود المرتهن الرهن، وليكون عاجزا عن الانتفاع به فيتسارع إلى قضاء الدين لحاجته أو لضجره، وإذا كان كذلك يثبت الاستيفاء من وجه وقد تقرر بالهلاك، فلو استوفاه ثانيا يؤدي إلى الربا، بخلاف حالة القيام؛ لأنه ينقض هذا الاستيفاء بالرد على الراهن فلا يتكرر، ولا وجه إلى استيفاء الباقي بدونه؛ لأنه لا يتصور، والاستيفاء يقع بالمالية أما العين فأمانة حتى كانت نفقة المرهون على الراهن في حياته وكفنه بعد مماته، وكذا قبض الرهن لا ينوب عن قبض الشراء إذا اشتراه المرتهن؛ لأن العين أمانة فلا تنوب عن قبض ضمان، وموجب العقد ثبوت يد الاستيفاء وهذا يحقق الصيانة، وإن كان فراغ الذمة من ضروراته كما في الحوالة.

فالحاصل: أن عندنا حكم الرهن صيرورة الرهن محتبسا بدينه بإثبات يد الاستيفاء عليه وعنده تعلق الدين بالعين استيفاء منه عينا بالبيع، فيخرج على هذين الأصلين عدة من المسائل المختلف فيها بيننا وبينه عددناها في كفاية المنتهى جملة: منها أن الراهن ممنوع عن الاسترداد للانتفاع؛ لأنه يفوت موجبه وهو الاحتباس على الدوام، وعنده لا يمنع منه؛ لأنه لا ينافي موجبه وهو تعينه للبيع وسيأتيك البواقي في أثناء المسائل إن شاء الله تعالى.

قال: "ولا يصح الرهن إلا بدين مضمون"؛ لأن حكمه ثبوت يد الاستيفاء، والاستيفاء يتلو الوجوب قال رضي الله عنه: ويدخل على هذا اللفظ الرهن بالأعيان المضمونة بأنفسها، فإنه يصح الرهن بها ولا دين ويمكن أن يقال: إن الواجب الأصلي فيها هو القيمة ورد العين مخلص على ما عليه أكثر المشايخ وهو دين ولهذا تصح الكفالة بها، ولئن كان لا يجب إلا بعد الهلاك ولكنه يجب عند الهلاك بالقبض السابق، ولهذا تعتبر قيمته يوم

<<  <  ج: ص:  >  >>