فلا ينبغي للإمام أن يتعرض لحقه إلا إذا تعلق به دفع ضرر العامة على ما نبين. وإذا رفع إلى القاضي هذا الأمر يأمر المحتكر ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله على اعتبار السعة في ذلك وينهاه عن الاحتكار، فإن رفع إليه مرة أخرى حبسه وعزره على ما يرى زجرا له ودفعا للضرر عن الناس، فإن كان أرباب الطعام يتحكمون ويتعدون عن القيمة تعديا فاحشا، وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلا بالتسعير فحينئذ لا بأس به بمشورة من أهل الرأي والبصيرة، فإذا فعل ذلك وتعدى رجل عن ذلك وباع بأكثر منه أجازه القاضي، وهذا ظاهر عند أبي حنيفة؛ لأنه لا يرى الحجر على الحر وكذا عندهما، إلا أن يكون الحجر على قوم بأعيانهم. ومن باع منهم بما قدره الإمام صح؛ لأنه غير مكره على البيع، هل يبيع القاضي على المحتكر طعامه من غير رضاه. قيل هو على الاختلاف الذي عرف في بيع مال المديون، وقيل يبيع بالاتفاق؛ لأن أبا حنيفة يرى الحجر لدفع ضرر عام، وهذا كذلك.
قال:"ويكره بيع السلاح في أيام الفتنة" معناه ممن يعرف أنه من أهل الفتنة؛ لأنه تسبيب إلى المعصية وقد بيناه في السير، وإن كان لا يعرف أنه من أهل الفتنة لا بأس بذلك؛ لأنه يحتمل أن لا يستعمله في الفتنة فلا يكره بالشك.
قال:"ولا بأس ببيع العصير ممن يعلم أنه يتخذه خمرا"؛ لأن المعصية لا تقام بعينه بل بعد تغييره، بخلاف بيع السلاح في أيام الفتنة لأن المعصية تقوم بعينه.
قال:"ومن أجر بيتا ليتخذ فيه بيت نار أو كنيسة أو بيعة أو يباع فيه الخمر بالسواد فلا بأس به" وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: لا ينبغي أن يكريه لشيء من ذلك؛ لأنه إعانة على المعصية. وله أن الإجارة ترد على منفعة البيت، ولهذا تجب الأجرة بمجرد التسليم، ولا معصية فيه، وإنما المعصية بفعل المستأجر، وهو مختار فيه فقطع نسبته عنه، وإنما قيده بالسواد لأنهم لا يمكنون من اتخاذ البيع والكنائس وإظهار بيع الخمور والخنازير في الأمصار لظهور شعائر الإسلام فيها. بخلاف السواد. قالوا: هذا كان في سواد الكوفة، لأن غالب أهلها أهل الذمة. فأما في سوادنا فأعلام الإسلام فيها ظاهرة فلا يمكنون فيها أيضا، وهو الأصح.
قال:"ومن حمل لذمي خمرا فإنه يطيب له الأجر عند أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: يكره له ذلك"؛ لأنه إعانة على المعصية، وقد صح " أن النبي عليه الصلاة والسلام لعن في الخمر عشرا حاملها والمحمول إليه " له أن المعصية في