فيه فاللام التمليك وملكه لا يزول بالترك. ومن أحيا أرضا ميتة ثم أحاط الإحياء بجوانبها الأربعة من أربعة نفر على التعاقب؛ فعن محمد أن طريق الأول في الأرض الرابعة لتعينها لتطرقه وقصد الرابع إبطال حقه.
قال:"ويملك الذمي بالإحياء كما يملكه المسلم"؛ لأن الإحياء سبب الملك، إلا أن عند أبي حنيفة رحمه الله إذن الإمام من شرطه فيستويان فيه كما في سائر أسباب الملك حتى الاستيلاء على أصلنا.
قال:"ومن حجر أرضا ولم يعمرها ثلاث سنين أخذها الإمام ودفعها إلى غيره" لأن الدفع إلى الأول كان ليعمرها فتحصل المنفعة للمسلمين من حيث العشر أو الخراج. فإذا لم تحصل يدفع إلى غيره تحصيلا للمقصود، ولأن التحجير ليس بإحياء ليملكه به؛ لأن الإحياء إنما هو العمارة والتحجير الإعلام، سمي به لأنهم كانوا يعلمونه بوضع الأحجار حوله أو يعلمونه لحجر غيرهم عن إحيائه فبقي غير مملوك كما كان هو الصحيح. وإنما شرط ترك ثلاث سنين لقول عمر رضي الله عنه: ليس لمتحجر بعد ثلاث سنين حق. ولأنه إذا أعلمه لا بد من زمان يرجع فيه إلى وطنه وزمان يهيئ أموره فيه، ثم زمان يرجع فيه إلى ما يحجره فقدرناه بثلاث سنين؛ لأن ما دونها من الساعات والأيام والشهور لا يفي بذلك، وإذا لم يحضر بعد انقضائها فالظاهر أنه تركها.
قالوا: هذا كله ديانة، فأما إذا أحياها غيره قبل مضي هذه المدة ملكها لتحقق الإحياء منه دون الأول وصار كالاستيام فإنه يكره، ولو فعل يجوز العقد. ثم التحجير قد يكون بغير الحجر بأن غرز حولها أغصانا يابسة أو نقى الأرض وأحرق ما فيها من الشوك أو خضد ما فيها من الحشيش أو الشوك، وجعلها حولها وجعل التراب عليها من غير أن يتم المسناة ليمنع الناس من الدخول، أو حفر من بئر ذراعا أو ذراعين، وفي الأخير ورد الخبر. ولو كربها وسقاها فعن محمد أنه إحياء، ولو فعل أحدهما يكون تحجيرا، ولو حفر أنهارها ولم يسقها يكون تحجيرا، وإن سقاها مع حفر الأنهار كان إحياء لوجود الفعلين، ولو حوطها أو سنمها بحيث يعصم الماء يكون إحياء؛ لأنه من جملة البناء، وكذا إذا بذرها.
قال:"ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر ويترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم" لتحقق حاجتهم إليها حقيقة أو دلالة على ما بيناه، فلا يكون مواتا لتعلق حقهم بها بمنزلة الطريق والنهر. على هذا قالوا: لا يجوز للإمام أن يقطع ما لا غنى بالمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستقي الناس منها لما ذكرنا.