عندهما. والعذر لأبي حنيفة أنه جعل في الحفر تحجيرا وهو بسبيل منه بغير إذن الإمام، وإن كان لا يملكه بدونه، وما عطب في الثانية ففيه الضمان؛ لأنه متعد فيه حيث حفر في ملك غيره، وإن حفر الثاني بئرا وراء حريم الأول فذهب ماء البئر الأول فلا شيء عليه؛ لأنه غير متعد في حفرها، وللثاني الحريم من الجوانب الثلاثة دون الجانب الأول لسبق ملك الحافر الأول فيه "والقناة لها حريم بقدر ما يصلحها" وعن محمد أنه بمنزلة البئر في استحقاق الحريم. وقيل هو عندهما. وعنده لا حريم لها ما لم يظهر الماء على الأرض؛ لأنه نهر في التحقيق فيعتبر بالنهر الظاهر.
قالوا: وعند ظهور الماء على الأرض هو بمنزلة عين فوارة فيقدر حريمه بخمسمائة ذراع "والشجرة تغرس في أرض موات لها حريم أيضا حتى لم يكن لغيره أن يغرس شجرا في حريمها"؛ لأنه يحتاج إلى حريم له يجد فيه ثمره ويضعه فيه وهو مقدر بخمسة أذرع من كل جانب، به ورد الحديث.
قال:"وما ترك الفرات أو الدجلة وعدل عنه الماء ويجوز عوده إليه لم يجز إحياؤه" لحاجة العامة إلى كونه نهرا "وإن كان لا يجوز أن يعود إليه فهو كالموات إذا لم يكن حريما لعامر"؛ لأنه ليس في ملك أحد، لأن قهر الماء يدفع قهر غيره وهو اليوم في يد الإمام.
قال:"ومن كان له نهر في أرض غيره فليس له حريم عند أبي حنيفة إلا أن يقيم بينة على ذلك، وقالا: له مسناة النهر يمشي عليها ويلقي عليها طينه" قيل هذه المسألة بناء على أن من حفر نهرا في أرض موات بإذن الإمام لا يستحق الحريم عنده. وعندهما يستحقه؛ لأن النهر لا ينتفع به إلا بالحريم لحاجته إلى المشي لتسييل الماء، ولا يمكنه المشي عادة في بطن النهر وإلى إلقاء الطين، ولا يمكنه النقل إلى مكان بعيد إلا بحرج فيكون له الحريم اعتبارا بالبئر. وله أن القياس يأباه على ما ذكرناه، وفي البئر عرفناه بالأثر، والحاجة إلى الحريم فيه فوقها إليه في النهر؛ لأن الانتفاع بالماء في النهر ممكن بدون الحريم، ولا يمكن في البئر إلا بالاستقاء ولا استقاء إلا بالحريم فتعذر الإلحاق.
ووجه البناء أن باستحقاق الحريم تثبت اليد عليه اعتبارا تبعا للنهر، والقول لصاحب اليد، وبعدم استحقاقه تنعدم اليد، والظاهر يشهد لصاحب الأرض على ما نذكره إن شاء الله تعالى، وإن كانت مسألة مبتدأة فلهما أن الحريم في يد صاحب النهر باستمساكه الماء به، ولهذا لا يملك صاحب الأرض نقضه. وله أنه أشبه بالأرض صورة ومعنى، أما صورة فلاستوائهما، ومعنى من حيث صلاحيته للغرس والزراعة، والظاهر شاهد لمن في يده