الماء يدفع قهر غيره، وإن كان يضر بالعامة فليس له ذلك؛ لأن دفع الضرر عنهم واجب، وذلك في أن يميل الماء إلى هذا الجانب إذا انكسرت ضفته فيغرق القرى والأراضي، وعلى هذا نصب الرحى عليه؛ لأن شق النهر للرحى كشقه للسقي به.
والثالث: إذا دخل الماء في المقاسم فحق الشفة ثابت. والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام:"الناس شركاء في ثلاث: الماء، والكلإ، والنار" وأنه ينتظم الشرب، والشرب خص منه الأول وبقي الثاني وهو الشفة، ولأن البئر ونحوها ما وضع للإحراز. ولا يملك المباح بدونه كالظبي إذا تكنس في أرضه، ولأن في إبقاء الشفة ضرورة؛ لأن الإنسان لا يمكنه استصحاب الماء إلى كل مكان وهو محتاج إليه لنفسه وظهره؛ فلو منع عنه أفضى إلى حرج عظيم، وإن أراد رجل أن يسقي بذلك أرضا أحياها كان لأهل النهر أن يمنعوه عنه أضر بهم أو لم يضر؛ لأنه حق خاص لهم ولا ضرورة. ولأنا لو أبحنا ذلك لانقطعت منفعة الشرب.
والرابع: الماء المحرز في الأواني وأنه صار مملوكا له بالإحراز، وانقطع حق غيره عنه كما في الصيد المأخوذ، إلا أنه بقيت فيه شبهة الشركة نظرا إلى الدليل وهو ما روينا، حتى لو سرقه إنسان في موضع يعز وجوده وهو يساوي نصابا لم تقطع يده. ولو كان البئر أو العين أو الحوض أو النهر في ملك رجل له أن يمنع من يريد الشفة من الدخول في ملكه إذا كان يجد ماء آخر يقرب من هذا الماء في غير ملك أحد، وإن كان لا يجد يقال لصاحب النهر: إما أن تعطيه الشفة أو تتركه يأخذ بنفسه بشرط أن لا يكسر ضفته، وهذا مروي عن الطحاوي، وقيل ما قاله صحيح فيما إذا احتفر في أرض مملوكة له.
أما إذا احتفرها في أرض موات فليس له أن يمنعه؛ لأن الموات كان مشتركا والحفر لإحياء حق مشترك فلا يقطع الشركة في الشفة، ولو منعه عن ذلك، وهو يخاف على نفسه أو ظهره العطش له أن يقاتله بالسلاح لأنه قصد إتلافه بمنع حقه وهو الشفة، والماء في البئر مباح غير مملوك، بخلاف الماء المحرز في الإناء حيث يقاتله بغير السلاح؛ لأنه قد ملكه، وكذا الطعام عند إصابة المخمصة، وقيل في البئر ونحوها الأولى أن يقاتله بغير السلاح بعصا؛ لأنه ارتكب معصية فقام ذلك مقام التعزير له؛ والشفة إذا كان يأتي على الماء كله بأن كان جدولا صغيرا. وفيما يرد من الإبل والمواشي كثرة ينقطع الماء بشربها قيل لا يمنع منه؛ لأن الإبل لا ترده في كل وقت وصار كالمياومة وهو سبيل في قسمة الشرب. وقيل له أن يمنع اعتبارا: بسقي المزارع والمشاجر والجامع تفويت حقه، ولهم أن يأخذوا الماء منه للوضوء وغسل الثياب في الصحيح،؛ لأن الأمر بالوضوء والغسل فيه كما قيل يؤدي إلى الحرج وهو مدفوع، وإن أراد أن يسقي شجرا أو خضرا في داره حملا بجراره له ذلك في