محبوس بكل الدين فيكون محبوسا بكل جزء من أجزائه مبالغة في حمله على قضاء الدين وصار كالمبيع في يد البائع، فإن سمى لكل واحد من أعيان الرهن شيئا من المال الذي رهنه به، فكذا الجواب في رواية الأصل: وفي الزيادات: له أن يقبضه إذا أدى ما سمى له وجه الأول أن العقد متحد لا يتفرق بتفرق التسمية كما في المبيع وجه الثاني أنه لا حاجة إلى الاتحاد؛ لأن أحد العقدين لا يصير مشروطا في الآخر؛ ألا يرى أنه لو قبل الرهن في أحدهما جاز.
قال:"فإن رهن عينا واحدة عند رجلين بدين لكل واحد منهما عليه جاز، وجميعها رهن عند كل واحد منهما"؛ لأن الرهن أضيف إلى جميع العين في صفقة واحدة ولا شيوع فيه، وموجبه صيرورته محتبسا بالدين، وهذا مما لا يقبل الوصف بالتجزي فصار محبوسا بكل واحد منها، وهذا بخلاف الهبة من رجلين حيث لا تجوز عند أبي حنيفة "فإن تهايآ فكل واحد منهما في نوبته كالعدل في حق الآخر والمضمون على كل واحد منهما حصته من الدين"؛ لأن عند الهلاك يصير كل واحد منهما مستوفيا حصته؛ إذ الاستيفاء مما يتجزأ.
قال:"فإن أعطى أحدهما دينه كان كله رهنا في يد الآخر"؛ لأن جميع العين رهن في يد كل واحد منهما من غير تفرق وعلى هذا حبس المبيع إذا أدى أحد المشتريين حصته من الثمن.
قال:"وإن رهن رجلان بدين عليهما رجلا رهنا واحدا فهو جائز والرهن رهن بكل الدين، وللمرتهن أن يمسكه حتى يستوفي جميع الدين"؛ لأن قبض الرهن يحصل في الكل من غير شيوع "فإن أقام الرجلان كل واحد منهما البينة على رجل أنه رهنه عبده الذي في يده وقبضه فهو باطل"؛ لأن كل واحد منهما أثبت ببينته أنه رهنه كل العبد، ولا وجه إلى القضاء لكل واحد منهما بالكل؛ لأن العبد الواحد يستحيل أن يكون كله رهنا لهذا وكله رهنا لذلك في حالة واحدة، ولا إلى القضاء بكله لواحد بعينه لعدم الأولوية، ولا إلى القضاء لكل واحد منهما بالنصف؛ لأنه يؤدي إلى الشيوع فتعذر العمل بهما وتعين التهاتر ولا يقال: إنه يكون رهنا لهما كأنهما ارتهناه معا إذا جهل التاريخ بينهما، وجعل في كتاب الشهادات هذا وجه الاستحسان لأنا نقول: هذا عمل على خلاف ما اقتضته الحجة؛ لأن كلا منهما أثبت ببينته حبسا يكون وسيلة إلى مثله في الاستيفاء، وبهذا القضاء يثبت حبس يكون وسيلة إلى شطره في الاستيفاء، وليس هذا عملا على وفق الحجة، وما ذكرناه وإن كان قياسا لكن محمدا أخذ به لقوته، وإذا وقع باطلا فلو هلك يهلك أمانة؛ لأن الباطل لا حكم له.