للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "وشبه العمد عند أبي حنيفة أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح" وقال أبو يوسف ومحمد وهو قول الشافعي: إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة فهو عمد وشبه العمد أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا؛ لأنه يتقاصر معنى العمدية باستعمال آلة صغيرة لا يقتل بها غالبا لما أنه يقصد بها غيره كالتأديب ونحوه فكان شبه العمد، ولا يتقاصر باستعمال آلة لا تلبث؛ لأنه لا يقصد به إلا القتل كالسيف فكان عمدا موجبا للقود وله قوله عليه الصلاة والسلام: "ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا، وفيه مائة من الإبل" ولأن الآلة غير موضوعة للقتل ولا مستعملة فيه؛ إذ لا يمكن استعمالها على غرة من المقصود قتله، وبه يحصل القتل غالبا فقصرت العمدية نظرا إلى الآلة، فكان شبه العمد كالقتل بالسوط والعصا الصغيرة.

قال: "وموجب ذلك على القولين الإثم"؛ لأنه قتل وهو قاصد في الضرب "والكفارة" لشبهه بالخطأ "والدية مغلظة على العاقلة" والأصل أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا بمعنى يحدث من بعد فهي على العاقلة اعتبارا بالخطأ، وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتجب مغلظة، وسنبين صفة التغليظ من بعد إن شاء الله تعالى "ويتعلق به حرمان الميراث"؛ لأنه جزاء القتل، والشبهة تؤثر في سقوط القصاص دون حرمان الميراث ومالك وإن أنكر معرفة شبه العمد فالحجة عليه ما أسلفناه.

قال: "والخطأ على نوعين: خطأ في القصد، وهو أن يرمي شخصا يظنه صيدا، فإذا هو آدمي، أو يظنه حربيا فإذا هو مسلم وخطأ في الفعل، وهو أن يرمي غرضا فيصيب آدميا، وموجب ذلك الكفارة، والدية على العاقلة" لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:٩٢] الآية، وهي على عاقلته في ثلاث سنين، لما بيناه.

قال: "ولا إثم فيه" يعني في الوجهين قالوا: المراد إثم القتل، فأما في نفسه فلا يعرى عن الإثم من حيث ترك العزيمة والمبالغة في التثبت في حال الرمي، إذ شرع الكفارة يؤذن باعتبار هذا المعنى "ويحرم عن الميراث"؛ لأن فيه إثما فيصح تعليق الحرمان به، بخلاف ما إذا تعمد الضرب موضعا من جسده فأخطأ فأصاب موضعا آخر فمات حيث يجب القصاص؛ لأن القتل قد وجد بالقصد إلى بعض بدنه، وجميع البدن كالمحل الواحد.

قال: "وما أجري مجرى الخطأ مثل النائم ينقلب على رجل فيقتله فحكمه حكم الخطأ في الشرع، وأما القتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في غير ملكه، وموجبه إذا تلف فيه آدمي الدية على العاقلة"؛ لأنه سبب التلف وهو متعد فيه فأنزل موقعا دافعا فوجبت

<<  <  ج: ص:  >  >>