للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغائب فإنه يعيد البينة" عند أبي حنيفة، وقالا: لا يعيد "وإن كان خطأ لم يعدها بالإجماع" وكذلك الدين يكون لأبيهما على آخر. لهما في الخلافية أن القصاص طريقه طريق الوراثة كالدين، وهذا لأنه عوض عن نفسه فيكون الملك فيه لمن له الملك في المعوض كما في الدية، ولهذا لو انقلب مالا يكون للميت، ولهذا يسقط بعفوه بعد الجرح قبل الموت فينتصب أحد الورثة خصما عن الباقين. وله أن القصاص طريقه الخلافة دون الوراثة؛ ألا ترى أن ملك القصاص يثبت بعد الموت والميت ليس من أهله، بخلاف الدين والدية لأنه من أهل الملك في الأموال، كما إذا نصب شبكة فتعلق بها صيد بعد موته فإنه يملكه، وإذا كان طريقه الإثبات ابتداء لا ينتصب أحدهم خصما عن الباقين فيعيد البينة بعد حضوره "فإن كان أقام القاتل البينة أن الغائب قد عفا فالشاهد خصم ويسقط القصاص" لأنه ادعى على الحاضر سقوط حقه في القصاص إلى مال، ولا يمكنه إثباته إلا بإثبات العفو من الغائب فينتصب الحاضر خصما عن الغائب "وكذلك عبد بين رجلين قتل عمدا وأحد الرجلين غائب فهو على هذا" لما بيناه.

قال: "فإن كان الأولياء ثلاثة فشهد أثنان منهم على الآخر أنه قد عفا فشهادتهما باطلة وهو عفو منهما" لأنهما يجران بشهادتهما إلى أنفسهما مغنما وهو انقلاب القود مالا "فإن صدقهما القاتل فالدية بينهم أثلاثا" معناه: إذا صدقهما وحده، لأنه لما صدقهما فقد أقر بثلثي الدية لهما فصح إقراره، إلا أنه يدعي سقوط حق المشهود عليه وهو ينكر فلا يصدق ويغرم نصيبه "وإن كذبهما فلا شيء لهما وللآخر ثلث الدية" ومعناه: إذا كذبهما القاتل أيضا، وهذا لأنهما أقرا على أنفسهما بسقوط القصاص فقبل وادعيا انقلاب نصيبهما مالا فلا يقبل إلا بحجة، وينقلب نصيب المشهود عليه مالا لأن دعواهما العفو عليه وهو ينكر بمنزلة ابتداء العفو منهما في حق المشهود عليه، لأن سقوط القود مضاف إليهما، وإن صدقهما المشهود عليه وحده غرم القاتل ثلث الدية للمشهود عليه لإقراره له بذلك.

قال: "وإذا شهد الشهود أنه ضربه فلم يزل صاحب فراش حتى مات فعليه القود إذا كان عمدا" لأن الثابت بالشهادة كالثابت معاينة، وفي ذلك القصاص على ما بيناه، والشهادة على قتل العمد تتحقق على هذا الوجه، لأن الموت بسبب الضرب إنما يعرف إذا صار بالضرب صاحب فراش حتى مات، وتأويله إذا شهدوا أنه ضربه بشيء جارح.

قال: " وإذا اختلف شاهدا القتل في الأيام أو في البلد أو في الذي كان به القتل فهو باطل" لأن القتل لا يعاد ولا يكرر، والقتل في زمان أو في مكان غير القتل في زمان أو مكان آخر، والقتل بالعصا غير القتل بالسلاح لأن الثاني عمد والأول شبه العمد، ويختلف أحكامهما

<<  <  ج: ص:  >  >>