رخصة النفر فإذا لم يترخص التحق بها ومذهبه مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ولأنه لما ظهر أثر التخفيف في هذا اليوم في حق الترك فلأن يظهر في جوازه في الأوقات كلها أولى بخلاف اليوم الأول والثاني حيث لا يجوز الرمي فيهما إلا بعد الزوال في المشهور من الرواية لأنه لا يجوز تركه فيهما فبقي على الأصل المروي " فأما يوم النحر فأول وقت الرمي فيه من وقت طلوع الفجر " وقال الشافعي أوله بعد نصف الليل لما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام رخص للرماء أن يرموا ليلا.
ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "لا ترموا جمرة العقبة إلا مصبحين " ويروى " حتى تطلع الشمس " فيثبت أصل الوقت بالأول والأفضلية بالثاني وتأويل ما روى الليلة الثانية والثالثة ولأن ليلة النحر وقت الوقوف والرمي يترتب عليه فيكون وقته بعده ضرورة ثم عند أبي حنيفة يمتد هذا الوقت إلى غروب الشمس لقوله عليه الصلاة والسلام " إن أول نسكنا في هذا اليوم الرمي " جعل اليوم وقتا له وذهابه بغروب الشمس وعن أبي يوسف أنه يمتد إلى وقت الزوال والحجة عليه ما روينا " وإن أخر إلى الليل رماه ولا شيء عليه " لحديث الدعاء " وإن أخر إلى الغد رماه " لأنه وقت جنس الرمي " وعليه دم " عند أبي حنيفة رحمه الله لتأخيره عن وقته كما هو مذهبه.
قال:" فإن رماها راكبا أجزأه " لحصول فعل الرمي " وكل رمي بعده رمي فالأفضل أن يرميه ماشيا وإلا فيرميه راكبا " لأن الأول بعده وقوف ودعاء على ما ذكرنا فيرميه ماشيا ليكون أقرب إلى التضرع وبيان الأفضل مروي عن أبي يوسف رحمه الله " ويكره أن لا يبيت بمنى ليالي الرمي " لأن النبي عليه الصلاة والسلام بات بها وعمر رضي الله عنه كان يؤدب على ترك المقام بها " ولو بات في غيرها متعمدا لا يلزمه شيء عندنا " خلافا للشافعي رحمه الله لأنه وجب ليسهل عليه الرمي في أيامه فلم يكن من أفعال الحج فتركه لا يوجب الجابر.
قال:" ويكره أن يقدم الرجل ثقله إلى مكة ويقيم حتى يرمي " لما روى أن عمر رضي الله عنه كان يمنع منه ويؤدب عليه ولأنه يوجب شغل قلبه " وإذا نفر إلى مكة نزل بالمحصب " وهو الأبطح وهو اسم موضع قد نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان نزوله قصدا هو الأصح حتى يكون النزول به سنة على ما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه " إنا نازلون غدا بالخيف خيف بني كنانة حيث تقاسم المشركون فيه على شركهم " يشير إلى عهدهم على هجران بني هاشم فعرفنا أنه نزل به إراءة للمشركين لطيف صنع الله تعالى به فصار سنة كالرمل في الطواف.