قال:"وإذا شهد شاهدان أنه قتل زيدا يوم النحر بمكة وشهد آخران أنه قتله يوم النحر بالكوفة واجتمعوا عند الحاكم لم يقبل الشهادتين" لأن إحداهما كاذبة بيقين وليست إحداهما بأولى من الأخرى "فإن سبقت إحداهما وقضى بها ثم حضرت الأخرى لم تقبل" لأن الأولى ترجحت باتصال القضاء بها فلا تنتقض بالثانية.
"وإذا شهدا على رجل أنه سرق بقرة واختلفا في لونها قطع، وإن قال أحدهما بقرة وقال الآخر ثورا لم يقطع" وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله "وقالا: لا يقطع في الوجهين" جميعا، وقيل الاختلاف في لونين يتشابهان كالسواد والحمرة لا في السواد والبياض، وقيل هو في جميع الألوان. لهما أن السرقة في السوداء غيرها في البيضاء فلم يتم على كل فعل نصاب الشهادة وصار كالغصب بل أولى، لأن أمر الحد أهم وصار كالذكورة والأنوثة. وله أن التوفيق ممكن لأن التحمل في الليالي من بعيد واللونان يتشابهان أو يجتمعان في واحد فيكون السواد من جانب وهذا يبصره والبياض من جانب آخر وهذا الآخر يشاهده، بخلاف الغصب لأن التحمل فيه بالنهار على قرب منه، والذكورة والأنوثة لا يجتمعان في واحدة، وكذا الوقوف على ذلك بالقرب منه فلا يشتبه.
قال:"ومن شهد لرجل أنه اشترى عبدا من فلان بألف وشهد آخر أنه اشتراه بألف وخمسمائة فالشهادة باطلة" لأن المقصود إثبات السبب وهو العقد ويختلف باختلاف الثمن فاختلف المشهود به ولم يتم العدد على كل واحد، ولأن المدعي يكذب أحد شاهديه وكذلك إذا كان المدعي هو البائع ولا فرق بين أن يدعي المدعي أقل المالين أو أكثرهما لما بينا "وكذلك الكتابة" لأن المقصود هو العقد إن كان المدعي هو العبد فظاهر، وكذا إذا كان هو المولى لأن العتق لا يثبت قبل الأداء فكان المقصود إثبات السبب "وكذا الخلع والإعتاق على مال والصلح عن دم العمد إذا كان المدعي هو المرأة أو العبد أو القاتل" لأن المقصود إثبات العقد والحاجة ماسة إليه، وإن كانت الدعوى من جانب آخر فهو بمنزلة دعوى الدين فيما ذكرنا من الوجوه لأنه ثبت العفو والعتق والطلاق باعتراف صاحب الحق فبقي الدعوى في الدين وفي الرهن، إن كان المدعى هو الرهن لا يقبل لأنه لا حظ له في الرهن فعريت الشهادة عن الدعوى، وإن كان المرتهن فهو بمنزلة دعوى الدين. وفي الإجارة إن كان ذلك في أول المدة فهو نظير البيع، وإن كان بعد مضي المدة والمدعي هو الآجر فهو دعوى الدين.
قال:"فأما النكاح فإنه يجوز بألف استحسانا، وقالا: هذا باطل في النكاح أيضا" وذكر