يوجب انقطاع حق المالك إلى الضمان، وهذا بالإجماع لأنه استهلاك صورة وكذا معنى لتعذر القسمة باعتبار اختلاف الجنس، ومن هذا القبيل خلط الحنطة بالشعير في الصحيح لأن أحدهما لا يخلو عن حبات الآخر فتعذر التمييز والقسمة. ولو خلط المائع بجنسه فعند أبي حنيفة ينقطع حق المالك إلى ضمان لما ذكرنا، وعند أبي يوسف يجعل الأقل تابعا للأكثر اعتبارا للغالب أجزاء، وعند محمد شركه بكل حال لأن الجنس لا يغلب الجنس عنده على ما مر في الرضاع، ونظيره خلط الدراهم بمثلها إذابة لأنه يصير مائعا بالإذابة.
قال:"وإن اختلطت بماله من غير فعله فهو شريك لصاحبها" كما إذا انشق الكيسان فاختلطا لأنه لا يضمنها لعدم الصنع منه فيشتركان وهذا بالاتفاق.
قال:"فإن أنفق المودع بعضها ثم رد مثله فخلطها بالباقي ضمن الجميع" لأنه خلط مال غيره بماله فيكون استهلاكا على الوجه الذي تقدم. قال:"وإذا تعدى المودع في الوديعة بأن كانت دابة فركبها أو ثوبا فلبسه أو عبدا فاستخدمه أو أودعها غيره ثم أزال التعدي فردها إلى يده زال الضمان" وقال الشافعي: لا يبرأ عن الضمان لأن عقد الوديعة ارتفع حين صار ضامنا للمنافاة فلا يبرأ إلا بالرد على المالك ولنا أن الأمر باق لإطلاقه، وارتفاع حكم العقد ضرورة ثبوت نقيضه، فإذا ارتفع عاد حكم العقد، كما إذا استأجره للحفظ شهرا فترك الحفظ في بعضه ثم حفظ في الباقي فحصل الرد إلى نائب المالك.
قال:"فإن طلبها صاحبها فجحدها ضمنها" لأنه لما طالبه بالرد فقد عزله عن الحفظ فبعد ذلك هو بالإمساك غاصب مانع فيضمنها، فإن عاد إلى الاعتراف لم يبرأ عن الضمان لارتفاع العقد، إذ المطالبة بالرد رفع من جهته والجحود فسخ من جهة المودع كجحود الوكيل الوكالة وجحود أحد المتعاقدين البيع فتم الرفع، أو لأن المودع ينفرد بعزل نفسه بمحضر من المستودع كالوكيل يملك عزل نفسه بحضرة الموكل، وإذا ارتفع لا يعود إلا بالتجديد فلم يوجد الرد إلى نائب المالك، بخلاف الخلاف ثم العود إلى الوفاق، ولو جحدها عند غير صاحبها لا يضمنها عند أبي يوسف خلافا لزفر لأن الجحود عند غيره من باب الحفظ لأن فيه قطع طمع الطامعين، ولأنه لا يملك عزل نفسه بغير محضر منه أو طلبه فبقي الأمر بخلاف ما إذا كان بحضرته.
قال:"وللمودع أن يسافر الوديعة وإن كان لها حمل ومؤنة عند أبي حنيفة وقالا: ليس له ذلك إذا كان لها حمل ومؤنة" وقال الشافعي: ليس له ذلك في