للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه قبض مال غيره لنفسه لا عن استحقاق فيضمنه، والإذن ثبت ضرورة الانتفاع فلا يظهر فيما وراءه، ولهذا كان واجب الرد وصار كالمقبوض على سوم الشراء. ولنا أن اللفظ لا ينبئ عن التزام الضمان؛ لأنه لتمليك المنافع بغير عوض أو لإباحتها، والقبض لم يقع تعديا لكونه مأذونا فيه، والإذن وإن ثبت لأجل الانتفاع فهو ما قبضه إلا للانتفاع فلم يقع تعديا، وإنما وجب الرد مؤنة كنفقة المستعار فإنها على المستعير لا لنقض القبض. والمقبوض على سوم الشراء مضمون بالعقد؛ لأن الأخذ في العقد له حكم العقد على ما عرف في موضعه.

قال: "وليس للمستعير أن يؤاجر ما استعاره؛ فإن آجره فعطب ضمن"؛ لأن الإعارة دون الإجارة والشيء لا يتضمن ما هو فوقه، ولأنا لو صححناه لا يصح إلا لازما؛ لأنه حينئذ يكون بتسليط من المعير، وفي وقوعه لازما زيادة ضرر بالمعير لسد باب الاسترداد إلى انقضاء مدة الإجارة فأبطلناه، وضمنه حين سلمه؛ لأنه إذا لم تتناوله العارية كان غصبا، وإن شاء المعير ضمن المستأجر؛ لأنه قبضه بغير إذن المالك لنفسه، ثم إن ضمن المستعير لا يرجع على المستأجر؛ لأنه ظهر أنه آجر ملك نفسه، وإن ضمن المستأجر يرجع على المؤاجر إذا لم يعلم أنه كان عارية في يده دفعا لضرر الغرور، بخلاف ما إذا علم.

قال: "وله أن يعيره إذا كان مما لا يختلف باختلاف المستعمل" وقال الشافعي: ليس له أن يعيره؛ لأنه إباحة المنافع على ما بينا من قبل، والمباح له لا يملك الإباحة، وهذا؛ لأن المنافع غير قابلة للملك لكونها معدومة، وإنما جعلناها موجودة في الإجارة للضرورة. وقد اندفعت بالإباحة هاهنا. ونحن نقول: هو تمليك المنافع على ما ذكرنا فيملك الإعارة كالموصى له بالخدمة، والمنافع اعتبرت قابلة للملك في الإجارة فتجعل كذلك في الإعارة دفعا للحاجة، وإنما لا تجوز فيما يختلف باختلاف المستعمل دفعا لمزيد الضرر عن المعير؛ لأنه رضي باستعماله لا باستعمال غيره.

قال رضي الله عنه: وهذا إذا صدرت الإعارة مطلقة. وهي على أربعة أوجه:

أحدها: أن تكون مطلقة في الوقت والانتفاع وللمستعير فيه أن ينتفع به أي نوع شاء في أي وقت شاء عملا بالإطلاق.

والثاني: أن تكون مقيدة فيهما وليس له أن يجاوز فيه ما سماه عملا بالتقييد إلا إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>