الأرض يصير مستأجرا منافع الأجير على وجه يبقى بعد المدة فيصير صفقتان في صفقة واحدة وهي منهي عنه. ثم قيل: المراد بالتثنية أن يردها مكروبة ولا شبهة في فساده. وقيل أن يكريها مرتين، وهذا في موضع تخرج الأرض الريع بالكراب مرة واحدة والمدة سنة واحدة، وإن كانت ثلاث سنين لا تبقى منفعته، وليس المراد بكري الأنهار الجداول بل المراد منها الأنهار العظام هو الصحيح؛ لأنه تبقى منفعته في العام القابل.
قال:"وإن استأجرها ليزرعها بزراعة أرض أخرى فلا خير فيه" وقال الشافعي: هو جائز، وعلى هذا إجارة السكنى بالسكنى واللبس باللبس والركوب بالركوب. أن المنافع بمنزلة الأعيان حتى جازت الإجارة بأجرة دين ولا يصير دينا بدين، ولنا أن الجنس بانفراده يحرم النساء عندنا فصار كبيع القوهي بالقوهي نسيئة وإلى هذا أشار محمد، ولأن الإجارة جوزت بخلاف القياس للحاجة ولا حاجة عند اتحاد الجنس، بخلاف ما إذا اختلف جنس المنفعة.
قال:"وإذا كان الطعام بين رجلين فاستأجر أحدهما صاحبه أو حمار صاحبه على أن يحمل نصيبه فحمل الطعام كله فلا أجر له" وقال الشافعي: له المسمى؛ لأن المنفعة عين عنده وبيع العين شائعا جائز، وصار كما إذا استأجر دارا مشتركة بينه وبين غيره ليضع فيها الطعام أو عبدا مشتركا ليخيط له الثياب ولنا أنه استأجره لعمل لا وجود له؛ لأن الحمل فعل حسي لا يتصور في الشائع، بخلاف البيع؛ لأنه تصرف حكمي، وإذا لم يتصور تسليم المعقود عليه لا يجب الأجر، ولأن ما من جزء يحمله إلا وهو شريك فيه فيكون عاملا لنفسه فلا يتحقق التسليم، بخلاف الدار المشتركة؛ لأن المعقود عليه هنالك المنافع ويتحقق تسليمها بدون وضع الطعام، وبخلاف العبد؛ لأن المعقود عليه إنما هو ملك نصيب صاحبه وأنه أمر حكمي يمكن إيقاعه في الشائع.
"ومن استأجر أرضا ولم يذكر أنه يزرعها أو أي شيء يزرعها فالإجارة فاسدة"؛ لأن الأرض تستأجر للزراعة ولغيرها، وكذا ما يزرع فيها مختلف، فمنه ما يضر بالأرض ما لا يضر بها غيره، فلم يكن المعقود عليه معلوما.
"فإن زرعها ومضى الأجل فله المسمى" وهذا استحسان. وفي القياس: لا يجوز وهو قول زفر؛ لأنه وقع فاسدا فلا ينقلب جائزا. وجه الاستحسان أن الجهالة ارتفعت قبل تمام العقد فينقلب جائزا، كما إذا ارتفعت في حالة العقد، وصار كما إذا أسقط الأجل المجهول قبل مضيه والخيار الزائد في المدة.