للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: في كون القاعدة أغلبية:

كل مَن قرّر تلك القاعدة أشار إلى أنها أغلبية وليست على إطلاقها، فاستثنوا منها ما جاء في قوله: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} ... [يونس: ٢٢]، حيث وردت الريح هنا مفردة في سياق الرحمة، وقد ذكروا العلة في إفراد الريح في هذا الموضع، فقالوا بأنها أفردت هنا مع الفُلك؛ لأن ريح إجراء السفن إنما هي واحدة متصلة، ثم وصفت بالطيب فزال الاشتراك بينها وبين ريح العذاب (١).

قال ابنُ القيم: " تأمل كيف اطرد هذا إلا في قوله في سورة يونس: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ} [يونس: ٢٢] فذكر ريح الرحمة الطيبة بلفظ الإفراد؛ لأن تمام الرحمة هناك إنما تحصل بوحدة الريح لا باختلافها؛ فإن السفينة لا تسير إلا بريح واحدة من وجه واحد، فإذا اختلفت عليها الرياح وتصادمت وتقابلت فهو سبب الهلاك، فالمطلوب هناك ريح واحدة لا رياح، وأكد هذا المعنى بوصفها بالطيب؛ دفعا لتوهم أن تكون ريحا عاصفة، بل هي مما يفرح بها لطيبها". اهـ (٢)


(١) ينظر: المحرر الوجيز (١: ٢٣٣)، تفسير القرطبي (٢: ١٩٨)، بدائع الفوائد، لابن القيم (١: ١١٨)، البرهان في علوم القرآن، للزركشي (٤: ١٠).
(٢) بدائع الفوائد (١: ١١٨).

<<  <   >  >>