الأولية الأولوية؛ لأن كل واحد منهما ثان للآخر ومثله ثالث ثلاثة ورابع أربعة، لا معنى له إلا أنه واحد من ثلاثة أو أربعة به تم هذا العدد، على أن الترتيب فيه إنما يكون بالزمان أو المكان وهو لا يدل على تفضيل الأول على الثاني ولا الثالث أو الرابع على من قبله. (١)
وسيأتي في حديث الشيخين (ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟){إذ هما في الغار} أي: في ذلك الوقت الذي كان فيه الاثنان في الغار المعروف عندكم، وهو غار جبل ثور {إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} أي: إذ كان يقول لصاحبه الذي هو ثانيه وهو أبو بكر الصديق (رض) حين رأى منه أمارة الحزن والجزع؛ أو كلما سمع منه كلمة تدل على الخوف والفزع {لا تحزن} الحزن انفعال نفسي اضطراري يراد بالنهي عنه مجاهدته وعدم توطين النفس عليه، والنهي عن الحزن - وهو تألم النفس مما وقع - يستلزم النهي عن الخوف مما يتوقع.
وقد عبر عن الماضي بصيغة الاستقبال {يقول} للدلالة على التكرار المستفاد من بعض الروايات، ولاستحضار صورة ما كان في ذلك والمكان ليتمثل المخاطبون
(١) أي أنه عندما يقال: (ثاني اثنين، ثالث ثلاثة، رابع أربعة ... ) إلخ، فإن المعنى يكون: واحد من اثنين، وواحد من ثلاثة، وواحد من أربعة، وهذا المعنى هو ما نص عليه المفسرون لآية الغار بل نص عليه مفسرون من الشيعة كالطباطبائي في الميزان وغيره، وانظر: لسان العرب لابن منظور ١٤ / ١١٥، ترتيب إصلاح المنطق لابن السكيت ص ٣٩٣.