للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي صلى الله عليه وسلم بالرواية للسنة والتفسير للقرآن والعمل بهما، وهذا المعنى صحيح في نفسه، معلوم من جملة سيرته كرم الله وجهه، وإن كان الحديث المذكور غير صحيح، ليس في لفظه ما يدل على أنه أعلم بما كان في هذه المدينة من كل مَن كان فيها، ولا برواية ذلك العلم وتفسيره أيضًا. وإلا لحكمنا بأن كل ما رُوي عن غيره كرم الله وجهه من الحديث والتفسير والأحكام فليس من علم النبوة. ولم يقل بهذا رافضي ولا غيره. (١)

والحديث رواه الحاكم في مستدركه من طريق أبي الصلت بن عبد السلام بن صالح عن ابن عباس وتتمته (.. فمَن أراد المدينة فليأتِ الباب) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأبو الصلت ثقة مأمون. ونقل توثيقه عن يحيى بن معين، وتعقبه الحافظ الذهبي في تلخيص المستدرك فقال ردًّا على قوله (صحيح) : بل موضوع. قال: (أبو الصلت ثقة مأمون) قلت (٢) : لا والله لا ثقة ولا مأمون اهـ.

وتصحيح الحاكم للأحاديث لا يعتمد عليه أحد من المحدثين؛ فقد صحح كثيرًا من الضعاف والمنكرات وكذا


(١) كما أن في هذا الحديث مخالفة لقوله تعالى {إني رسول الله إليكم جميعاً} وقال تعالى {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} فإذا كان علم النبي صلى الله عليه وسلم ممنوعاً عن الناس ولا يناله غير علي، ومن ثم يكون هو الباب الذي يبلغه، لصار علي هو الرحمة للعالمين! والله تعالى يقول في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وحذف المعمول يدل على العموم، قال العلامة محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله في الهدية الهادية للطائفى التجانية: ((أي: بلغ ما أنزل إليك من ربك جميع الناس لا عليا وحده الذي هو باب المدينة، وسائر الناس يجب أن يأخذوا العلم من علي وغلاة الشيعة يوافقون التجانيين، أو يوافقهم التجانيون في أنه لا يصل شيء من العلم إلى أحد إلا من علي، وقد صرح لي بذلك الشيخ عبد المحسن الكاظمي في المحمرة، التي تسمى اليوم بالفارسية، خرم شهر أي مدينة التمر حين ناظرته في الحسينية وهي دار يجتمعون فيها للبكاء على الحسين بن علي رضي الله عنهما فإنه احتج عليَّ بالحديث المتقدم، وقال إنه متواتر عندنا وعندكم قلت له أما عندنا فهو ضعيف أو موضوع، وقلت له أما معناه: فإن أريد به علي أحد أبواب هذه المدينة فهو صحيح، وإن أريد به أنه لا باب لهذه المدينة إلا علي فهو باطل، فإن أبوبها كثيرة، فقد أمر الله نبيه أن يبلغ الرسالة جميع الناس وذكرت له آية المائدة ... )) . اهـ
ثم لا أدري كيف يقول الغلاة من الشيعة الاثنا عشرية: إن (علياً باب مدينة محمد) مع أنهم يوردون في كتبهم - على سبيل الاحتجاج والاستشهاد - أن الله تبارك وتعالى قال: (لولا علي لما خُلق محمد) أصلاً!! فإنه إذا كان علي هو العلة الغائية من خلق محمد كما ترويه كتبهم، فالعقل والمنطق يقتضي أن يكون هو الباب لعلي وليس العكس، ولفظ الحديث: (لولاك ما خلقت الأفلاك، ولولا علي ما خلقتك، ولولا فاطمة ما خلقتكما) انظر: كشف اللآلئ للعرندس، ومستدرك سفينة البحار ٣ / ١٦٨، واحتج به المرجع الديني الشيعي محمد الحسيني الشيرازي، والشيخ الشيعي محمد فاضل المسعودي في كتابه " الدرر البهية في الأسرار الفاطمية "وقد أثنى عليه أحد الآيات في حوزة قم وهو آية الله السيد عادل العلوي، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لولا علي رضي الله عنه لم يُخلق، فمن هو الأجدر بأن يكون هو الباب للآخر؟!
(٢) القائل هو الحافظ الذهبي رحمه الله كما في المستدرك ٣/١٢٦، وانظر أقوال أهل العلم في أبي الصلت " ميزان الاعتدال للذهبي أيضاً ٦/٥٥٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>