للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموضوعات وتعقبه الذهبي وغيره فيها.

وأخرج الترمذي [٣٧٢٣] من طريق: ((شريك عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن الصنابحي عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا دار الحكمة وعلي بابها) هذا حديث غريب منكر (١) ، روى بعضهم هذا الحديث عن شريك ولم يذكروا فيه عن الصنابحي، ولا نعرف هذا الحديث عن أحد من الثقات غير شريك، وفي الباب عن ابن عباس)) . اهـ. كلام الترمذي.

وأقول: أبو الصلت راوي الحديث الأول وثقه ابن معين كما قال الحاكم ولكن طعن فيه الأكثرون والجرح مقدم على التعديل. قال مسلمة عن العقيلي: كذاب، وكذا محمد بن طاهر قال: إنه كذاب، وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. وكلهم أنكروا حديثه هذا، وكأنهم يتهمونه بوضْعه على أبي معاوية.

ولكن ابن معين يقول: إنه ليس ممن يكذب، وذكر أن محمد بن جعفر الفيدي حدث به عن أبي معاوية (٢)

وقال: أخبرني ابن نمير قال: حدث به أبو معاوية قديمًا ثم كف عنه. (٣) اهـ

ومراد ابن معين أن أبا الصلت


(١) هذا تضعيف للحديث من الترمذي نفسه في سننه، وقد قال رحمه الله في العلل الكبير (ص ٤٠٢ رقم: ٦٩٩) : ((سألت محمداً - يعني الإمام البخاري - عنه فلم يعرفه وأنكر هذا الحديث)) .
وإسناد الحديث واهٍ جداً، فمحمد بن عمر بن الرومي ليّن الحديث كما قال الحافظ ابن حجر في التقريب، وقد ضعّفه أبو زرعة وأبو داوُد وغيرهما، وقد ساق الحافظ الذهبي هذا الحديث في ترجمة محمد بن عمر بن الرومي من (الميزان) وقال: ((فما أدري من وضعه؟)) ، ويُضاف إلى ذلك أن شريك القاضي ضعيف من قبل الحفظ.
(٢) محمد بن جعفر الفيدي قال عنه الحافظ في التقريب: ((مقبول)) أي عند المتابعة وإلا فهو ضعيف، وهناك إشكالية في المتابعة التي ذكرها يحيى بن معين، وهي هل محمد بن جعفر الفيدي الذي تابع أبا الصلت - الذي رمي بالوضع - روى هذا الحديث عن أبي معاوية مباشرة أو بواسطة؟
فقد جاء في جزء معرفة الرجال (رواية ابن محرز ٢/٢٤٢ رقم٨٣٢) عن يحيى بن معين أنه قال: ((حدثنا محمد بن جعفر العلاف الذي كان ينزل بفيد كوفي، قال: حدثنا محمد بن الطفيل، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ... )) فذكره.
ورواه محمد بن أبي يحيى كما في المنتخب من علل الخلال (ص ٢٠٨- ٢٠٩) حيث نقل محمد بن أبي يحيى عن يحيى بن معين أنه قال: ((حدثني به ثقة: محمد بن الطفيل عن أبي معاوية)) ، وهذا ظاهره مغاير لهذا الإسناد الذي ذكره ابن محرز، وقد بحثت عن ترجمة محمد بن أبي يحيى فلم أدر من هو، ولم يذكره أبو يعلى في طبقات الحنابلة ولا غيره - بحسب بحثي - وقد قال عنه الشيخ الألباني رحمه الله: ((ابن أبي يحيى فيه جهالة)) .

وأما الحاكم فرواه عن ((محمد بن يحيى بن الضريس، ثنا محمد بن جعفر الفيدي، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم)) فذكره دون وجود واسطة بين محمد بن جعفر وبين أبي معاوية وهو المذكور أعلاه، إضافة إلى أنه يشكل على إسناد الحاكم هذا أن محمد بن يحيى بن الضريس، وهو فيدي أيضاً وكوفي، لم يُذكر محمد بن جعفر من الذين روى عنهم. انظر: ترجمته في الجرح والتعديل (٨/١٢٤) ، تهذيب الكمال (٢٤/٥٨٧) .
(٣) قال ابن محرز: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي فقال: ((ليس ممن يكذب، فقيل له في حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس: "أنا مدينة العلم وعلي بابها" فقال: هو من حديث أبي معاوية، أخبرني ابن نمير قال: حدّث به أبو معاوية قديماً ثم كفّ عنه، وكان أبو الصلت رجلاً موسراً يطلب هذه الأحاديث ويكرم المشايخ وكانوا يحدثونه بها)) . جزء معرفة الرجال ـ رواية ابن محرز ١/٧٩ رقم٢٣١.
والصواب أن الرجل - أعني أبا الصلت - كان يكذب كما ذكره الأكثر، إذ أننا لو سلّمنا بكلام الإمام يحيى بن معين فالسؤال هو ما الجواب عن المناكير التي رواها عن علي بن موسى الرضا؟ ومن أجل هذا قال المعلمي في تعليقه على كتاب الفوائد المجموعة للشوكاني ص ٣٠٨: ((من يأبي أن يكذّب أبا الصلت يلزمه أن يكذّب علي بن موسى الرضا وحاشاه)) ، كما في حديث جعفر بن محمد عن آبائه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الإيمان إقرار بالقول وعمل بالجوارح)) وهو موضوع، وأبو الصلت متهم بوضعه لم يحدث به إلا من سرقه منه فهو الابتداء في هذا الحديث. وانظر: تاريخ بغداد ١١/٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>