للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويشاركه في خلواته به وأنسه بقربه وتلقي فيوضاته وألطافه لا ثالث لهما. (١)

فأين الأصحاب رضي الله عنهم عن تلك المراتب السامية من هذه المكاشفات والمشاهدات لخالقهما التي كانت تتجلى في قلبيهما وتتلألأ على (طور سينا نفسيهما) ولا نعجب بعدها من أمر هذا الغلام كيف فارق أهله وإخوته وأترابه وانقطع إلى معلمه ولم تمل به الحداثة إلى الأخذ بنصيبه من اللعب واللهو وهو منتهى لذة الأحداث وقصارى رغبتهم.

فلقد ملئ قلبه بحب خالقه ولم يبق فيه فراغ لسواه، فسبحان واهب العطاء يختص بكرامته من يشاء، أتظن رعاك الله أن ساعة من الزمن كانت تمر على هذا التلميذ بغير فائدة من ذلك المعلم الحريص (٢) على التعليم.

فلو ادَّعى مدعٍ كهذا التلميذ بعد وفاة معلمه أنه وارث علمه،


(١) لم أقف على رواية بهذا المعنى في كتب السير والتراجم المتداولة عند أهل السنة، إلا أنني قد وقفت على ما تضمنته - وأشار إليه عبد الحسين في الحاشية السابقة - في كتاب نهج البلاغة ج٢ ص ١٥٧-١٥٨ خطبة ٢٣٤وهذا نصها: ((ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله، فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة؟ فقال: ((هذا الشيطان أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي ولكنك وزير وإنك لعلى خير)) .

أقول: وهذه الرواية من كتب الشيعة تؤكد أن مفهوم النبوة والوحي متحقق في علي رضي الله عنه حيث إنه قد وصل كما يقول ميثم البحراني: ((إلى مقام سماع الوحي وكلام الملك وسائر ما يراه صلى الله عليه وسلم ويسمعه)) ، ولم ينفَ عنه إلا اسمها، وقد نص على ذلك أيضاً من شرح نهج البلاغة من علماء الإمامية مثل: المصباح (الشرح الكبير) لميثم البحراني (٤/٣١٨) ، حبيب الله الخوئي في منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة (١٢/٤٢) ، وعباس علي الموسوي شرح نهج البلاغة (٣/٣٤٨) ، ومحمد الحسيني الشيرازي في توضيح نهج البلاغة (٣/٢٤٤) .
(٢) قال عبد الحسين في الحاشية: ((روي في كنز الأعمال على هامش مسند أحمد ص ٤٣ أن عليًّا سُئل عن كثرة ما يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " كنت إذا سألته أنبأني وإذا سكتُّ ابتدأني")) . اهـ
أقول: ورد هذا الأثر في كنز العمال في عدة مواضع أوعبها ما ورد عن أبي البختري، قال: ((أتينا عليا، فسألناه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
قال: عن أيهم تسألوني؟ قلنا: عن ابن مسعود.
قال: علم القرآن والسنة، ثم انتهى، وكفى به علما.
قلنا: أبو موسى؟ قال: صبغ في العلم صبغة ثم خرج منه.
قلنا: حذيفة؟ قال: أعلم أصحاب محمد بالمنافقين.
قالوا: سلمان؟ قال: أدرك العلم الأول، والعلم الآخر ; بحر لا يدرك قعره، وهو منا أهل البيت.
قالوا: أبو ذر؟ قال: وعى علما عجز عنه.
فسئل عن نفسه؟ قال: كنت إذا سألت أعطيت، وإذا سكت ابتديت)) .
أخرجه ابن سعد في الطبقات (٤ / ٨٥ - ٨٦) ، وابن أبي شيبة في المصنف (٧ / ٥٣٦) ، وأبو نعيم في الحلية (١ / ١٨٧) وهو أثر صحيح ثابت.

<<  <  ج: ص:  >  >>