حكم الأصل، بطل القياس. [وهل] إذا كانت العلة المستنبطة تخصص اللفظ العام، هل تكون باطلة أم لا؟ هذا فيه تفصيل. فنقول: إن كان المعنى سابقا إلى الفهم عند سماع اللفظ من غير استئخار [عنه]، وافتقار إلى تأمل واستبناط، فهو المحكم في التخصيص والتعميم. فلنذكر مثاله ولنبين دليله.
أما مثاله: فكقوله - عليه السلام -: (لا يقضي القاضي وهو غضبان). فإنا نجوز القضاء مع الغضب اليسير، ونمنعه مع الألم المبرح، والجوع المفرط. وذلك متفق عليه. وقد ذكرنا هذا فيما سبق.
والسبب فيه: أن المحذور من الاستنباط المغير، أن يثبت حكم من اللفظ، فيستنبط معنى يسقط ما ثبت من اللفظ. وهذا لا يتحقق في المعنى المساوق لسماع اللفظ، إذ لم يستقر حكم حتى يكون الاستنباط مزيلا له. أما إذا فهم حكم العموم أو مقتضى الظاهر، فاستنبط المعنى الذي يقتضي تخصيص العموم وإزالة الظاهر، فلا يصح أن سيتنبط من مورده ما يناقضه. بل لا يتصور أن يستنبط منه إلا ما يوافقه. فإن وافقه في جميع صوره، فهو حسن بالغ. وإن وافقه في بعض الصور، وفقد في بعضها، فذلك البعض الذي فقد [منه] المعنى المستنبط، وجد فيه اللفظ الدال، فيكون وجدان اللفظ يقتضي ثبوت الحكم، وقد فقد المعنى.
فإن قلنا: إن [فقدان] المعنى لا يقتضي شيئا أصلا، فكيف يتصور ترك اللفظ [لغير] دليل معارض؟ وإن قلنا: إن عدم المعنى [قد] يدل،