للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعنى مصطلحاً قرآنيًّا (١)؛ أي أنَّه أينما وردَ هذا اللَّفظُ في موضعٍ من القرآنِ، فإنه لا يحتملُ غيرَ هذا المعنى.

ومن الأمثلةِ الواردةِ عن السَّلفِ في ذلك: لفظ «أليم»، قال الضَّحَّاكُ (ت:١٠٥): «كلُّ شيءٍ في القرآن من الأليمِ فهو الموجعُ» (٢). وقد وَرَدَتْ هذه اللَّفظة في القرآن اثنتين وسبعين مرةً، وَوَرَدَتْ بصيغةِ: تألمون ويألمون ثلاثَ مراتٍ (٣).

وهذا المعنى الذي جعله الضَّحَّاكُ (ت:١٠٥) معنًى كُلِّيًّا لهذه اللَّفظةِ، هو المعنى اللُّغويُّ لها. قال ابنُ فارسٍ (ت:٣٩٥): «الهمزة واللام والميم: أصلٌ واحدٌ، وهو الوجعُ» (٤).

وبناءً على قولِ الضَّحَّاكِ (ت:١٠٥)، فإنَّ هذه الكلمةِ أينما وُجِدَتْ في القرآنِ، فإنها بمعنى الألمِ، ومما يلاحظُ على هذا المعنى أنه هو المعنى اللُّغويُّ الوحيدُ لهذه اللَّفظةِ.

ومن هذا البيان يظهرُ أنَّ الكلِّيَّةَ التَّامَّةَ في الألفاظ القرآنيَّةِ بحثٌ يقابلُ الوجوهَ والنَّظائرَ؛ لأنَّ كتبَ الوجوهِ والنَّظائرِ تذكرُ اللَّفظَ الذي يكونُ له أكثرُ من وجهٍ دونَ غيرِهِ، والكُّلِّياتُ التَّامَّةُ يُذكرُ فيها اللَّفظُ الذي له معنًى واحدٌ.


(١) المصطلح القرآنيُ أخصُ من المصطلح الشرعي، إذ أن المصطلحَ الشرعيَ يحتاجُ لثبوت شرعيته إلى السنة النبوية، فالصلاة ـ مثلاً ـ مصطلحٌ شرعيٌ للأقوال والأفعال المخصوصة المبتدأة بالتكبير والمختتمة بالتسليم. لكن لا يقال كلُّ صلاة في القرآن فهي هذه الصلاة المخصوصة؛ لأنه قد ورد ذِكْرُ الصلاة في القرآن لغير هذا المعنى، مثل قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: ١٠٣]، فالصلاة هاهنا بمعنى الدعاء. يدلُّ على ذلك حديث عبد الله بن أبي أوفى الذي رواه البخاري في باب: وصلِّ عليهم، من كتاب الدعوات (فتح الباري: ١١:١٤٠)، وقال عبد الله بن أبي أوفى: «كان الرسول صلّى الله عليه وسلّم إذا أُتِيَ بصدقةٍ قال: اللهم صلِّ على آل فلان، فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صلِّ على آل أبي أوفى». والصلاة هاهنا: الدعاء.
(٢) تفسير الطبري، ط: الحلبي (١:١٢٣)، وهو قول أبي العالية، أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير، تحقيق: أحمد الزهراني (١:١٠).
(٣) ينظر: المعجم المفهرس لألفاظِ القرآن، لمحمد فؤاد عبد الباقي.
(٤) مقاييس اللغة (١:١٢٦).

<<  <   >  >>