للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما وردَ عنِ السَّلفِ منْ كُلِّيَّات في الألفاظِ القرآنيَّةِ ما يلي:

١ - عن مجاهدٍ (ت:١٠٤) قال: «كُلُّ ظَنٍّ في القرآنِ فهو علمٌ»، وفي روايةٍ: «يقين» (١).

هذا المعنى الذي ذكره مجاهدٌ (ت:١٠٤) للفظةِ الظَّنِّ هو أحدُ المعاني اللُّغويَّةِ لهذا اللفظِ، قالَ ابنُ فارسٍ (ت:٣٩٥): «الظَّاءُ والنُّونُ: أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على معنيين مختلفين: يقينٍ وشكٍّ.

فأمَّا اليقينُ، فقولُ القائلِ: ظَنَنْتُ ظَنًّا؛ أي: أَيْقَنْتُ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللَّهِ} [البقرة: ٢٤٩] أرادَ ـ والله أعلمُ ـ: يوقنونَ، والعربُ تقولُ ذلك وتعرفُه، قال شاعرُهُم (٢):

فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ

سَرَاتُهُمْ فِي الفَارِسِيِّ المُسَرَّدِ

أرادَ: أَيْقِنُوا، وهو في القرآن كثير» (٣).

٢ - وعنْ سعيدِ بنِ جبيرٍ (ت:٩٤) قالَ: «كُلُّ شيءٍ في القرآنِ إفكٌ فهو كَذِبٌ» (٤).

وهذا الذي ذكرَه سعيدُ (ت:٩٤) هو المعنى اللُّغويُّ لهذه اللفظةِ.

قال ابنُ فارسٍ (ت:٣٩٥): «الهمزة والفاء والكاف: أصلٌ واحدٌ يدلُّ على قلبِ الشَّيءِ عن جهتِهِ، يقال: أَفِكَ الشَّيءُ، وأَفِكَ الرجلُ: إذا كذب. والإفكُ: الكذبُ ...» (٥).

وبهذا تظهر علاقةُ هذينِ العلمينِ (الوجوه والنظائر، وكليات الألفاظ القرآنية) بالتَّفسيرِ اللُّغويِّ، وأنَّ المفسِّرَ الذي يسلكُ هذا السَّبيلَ لا بُدَّ أنْ يكونَ معتمداً على اللُّغةِ، وإن لم يَنُصَّ على ذلك، والله أعلم.


(١) تنظر الروايتين عنه في تفسير الطبري، ط: الحلبي (١:٢٦٢).
(٢) البيتُ لدريد بن الصُّمَّةِ، وهو في ديوانه (ص:٦٠)، وهذا البيت ضمن قصيدة له من اختيار الأصمعي في الأصمعيات (ص:١١١ - ١١٥). ومطلع البيت فيه: علانية ...
(٣) مقاييس اللغة (٣:٤٦٢).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، تحقيق: أسعد الطيب (٨:٢٦٦٣).
(٥) مقاييس اللغة (١:١١٨).

<<  <   >  >>