للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي عهد أتباعِ التابعينَ ظهرَ اللُّغويُّونَ الذين شاركوا في التَّفسيرِ من خلالِ الكتابة في علمي: معاني القرآنِ وغريبِ القرآن؛ كأبانَ بنِ تغلبٍ الجريريِّ (ت:١٤١)، وعلي بنِ حمزةَ الكسائيِّ (ت:١٨٣)، ويحيى بنِ زيادٍ الفرَّاءِ (ت:٢٠٧)، وأبي عبيدةَ مَعْمَرِ بنِ المُثَنَى (ت:٢١٠)، وغيرِهم.

وينتجُ عن ذلكَ:

* أنَّ السَّلفَ قد سبقوا اللُّغويِّينَ في التَّفسيرِ تعلُّماً، وتعليماً، وتدويناً.

* ومنْ ثَمَّ، فإنَّ السَّلفَ قد سبقوا اللُّغويينَ ـ أيضاً ـ في التَّفسيرِ اللُّغويِّ؛ لأن التَّفسيرَ اللُّغويَّ جزءٌ من علمِ التَّفسيرِ، لا يمكنُ أنْ ينفكَّ عنه.

* أنَّ كُتب السَّلفِ ورواياتِهم في التَّفسيرِ كانت متيسِّرَةً للُّغويِّينَ الذينَ دوَّنوا اللُّغةَ (١)، وكانَ من المتوقَّعِ أنْ يستفيدوا منها في تدوينِ ألفاظِ اللُّغةِ وثبوتِها، ولكنَ الحاصلَ غيرُ ذلكَ كما سيأتي.


= وأن ابن جريج له ثلاثة أجزاء كبار في التفسير (١:١٤٦ - ١٤٧).
وإذا تأملت هذه المعلومات التي ذكرها عن كتابة التفسير، وجدتها تناقض ترتيب المراحل التي ذكرها، وتدلُّ على أنَّ التفسير كان عِلْماً مستقلاً قائماً بنفسه في عهد الصحابة، وإلاَّ فما معنى أن يسأل مجاهدٌ ابنَ عباسٍ عن التفسير دون غيره.
كما تفيد هذه المعلومات أنَّ التدوين للتفسير كان متقدماً جداً، ولم يكن طابع الرواية فقط هو الموجود في عهد الصحابة والتابعين.
ثمَّ إنه ذكر ممن جعل التفسير باباً من أبواب الحديث: وكيع بن الجراح، وعبد الرزاق، وآدم بن إياس، ثمَّ ذكرهم في من دوَّن التفسير، وهؤلاء متقدمون على ابن ماجه، فكيف غفل عن هذا؟! والمقصودُ هنا الإشارةُ إلى ما وقع فيه الذهبيُّ؛ لأنَّ كثيراً ممن كتب في مراحل التفسير اعتمد عليه، دون تمحيصٍ ولا نقدٍ، والله الموفقُ.
(١) لهذه الفكرة ما يدلُّ عليها من المعاصرةِ والتلقي واشتهارِ بعض رواياتِ التفسيرِ وغيرها، ومن الأمثلةِ التي تدلُّ على حرصِ بعض اللُّغويين على تلقي التفسير ما رواه هَنَّادُ بنُ السَّريِّ، قال: كان الفراء يطوف معنا على الشيوخ، فما رأيناه أثبت سوداء في بيضاء قطَّ، لكنه إذا مرَّ حديثٌ فيه شيء من التفسيرِ أو متعلق بشيء من اللغة، قال للشيخ: أعده عليَّ، وظننَّا أنه كان يحفظ ما يحتاجُ إليه». ينظر: إنباه الرواة (٤:٢٠).

<<  <   >  >>