للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا اللُّغويُّونَ، فإنهم مع سلوكِهم هذا المنهجَ الواردَ عن السَّلفِ، إلاَّ أنَّهم توسَّعوا في حَمْلِ بعضِ الآياتِ على المحتملاتِ اللُّغويَّةِ التي ظهرتْ لهم منْ خلالِ جمعِهم لِلُغَةِ العربِ، والتي لم تكنْ واردةً عن السَّلفِ، ولذا ظهرتْ عندَهم بعضُ الأقوالِ الشَّاذَّةِ في التَّفسيرِ؛ كالتَّفسيرِ الذي سبقَ ذكْرُهُ في لفظ «واهْجُرُوهُنَّ»، ولفظ «النَّاقُورِ»، ولفظ «مِنْ عَجَلٍ»، والله أعلم.

حكم الاستشهادِ بالشِّعرِ:

وأمَّا الشِّعرُ، فهو كما وصفهُ الخطيبُ البغداديُّ (ت:٤٦٣) (١)، فقال: «في الشِّعرِ الحِكمةُ النَّادرةُ، والأمثالُ السائرةُ، وشواهدُ التَّفسيرِ، ودلائلُ التأويلِ، فهو ديوانُ العربِ، والمقيِّدُ للغاتها، ووجوه خطابِها، فلزِمَ كَتُبهُ للحاجَةِ إلى ذلكَ» (٢).

والاستشهادُ بالشِّعرِ، حكُمُه كالنَّثرِ؛ إلاَّ أنَّه قد اعتُرضَ عليه كما سيأتي، والصَّوابُ أنَّ الاستشهادَ بالشِّعرِ جائزٌ في التَّفسيرِ، وقد نصَّ على هذا المنهجِ ابن عباس (ت:٦٨)، فقال: «إذا خفي عليكم شيءٌ من القرآن فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب» (٣).


(١) أحمد بن علي بن ثابت، أبو بكر، المعروف بالخطيب البغدادي، العلاَّمة، الحافظُ، الناقدُ، محدث وقتِه، له رحلةٌ في طلب العلم، ومصنفاتٌ مفيدة، منها: تاريخ بغداد، وتقييد العلم، توفي سنة (٤٦٣). ينظر: وفيات الأعيان (١:٩٢ - ٩٣)، وسير أعلام النبلاء (١٨:٢٧٠ - ٢٩٧).
(٢) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (٢:١٩٧).
(٣) ذكر السيوطي في الدر المنثور (٨:٥٤) من أخرجه، وهم: عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات (ص:٤٣٦ - ٤٣٧).
وأخرجه كذلك ابن خالويه في إعراب القراءات وعللها (١:٢٩). وينظر تحقيق د. سعد الحميِّد لسنن سعيد بن منصور (٢:٣١٧ - ٣١٨).
وقد رُوِيَ عن عمر أنه قال: «أيها الناس، عليكم بديوانكم: شعر الجاهلية؛ فإن فيه تفسيرَ كتابِكم ومعاني كلامهم». الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، ط: دار الكتب المصرية (١٠:١١١).

<<  <   >  >>