الأوَّلُ: ما هو واضحٌ مدلولُه لكلِّ أحدٍ؛ كالسَّماءِ والأرضِ والأكلِ والشُّربِ والنَّومِ، وغيرِها من الألفاظِ الواضحةِ المدلولِ عند النَّاطقين بلغةِ العربِ.
الثاني: ما في دلالتِه خفاءٌ، إمَّا بسببِ غرابةِ اللَّفظِ؛ كالألفاظ الآتية: لفظ «المَورِ»، ولفظ «الكفات» ولفظِ «دَيَّاراً»، ولفظِ «الحافرة»، ولفظِ «الهُمَزَةِ»، ولفظِ «اللُّمَزَةِ»، وغيرِها.
وإمَّا لوجودِ أكثرَ من مدلولٍ له، وهو ما يُسَمَّى بالمشتركِ اللُّغويِّ؛ كلفظِ «عَسْعَسَ»، ولفظِ «سَجَى»، ولفظِ «المُعْصِرَاتِ»، وغيرِها.
وهذا النوعُ قد يكونُ في السِّياقِ ما يدلُّ على المرادِ به؛ كمعنى لفظ «الفلاحِ» في قولِ الشَّاعرِ (١):
نَحُلُّ بِلاداً كُلُّهَا حُلَّ قَبْلَنَا
وَنَرْجُو الفَلاحَ بَعْدَ عَادٍ وَحِمْيَرِ
فيكونُ المعنى: نرجو البَقَاءَ، بدلالةِ مجيءِ عَادٍ وحِمْيَرَ الهالكين، ولم يُفسَّرَ بالفوزِ والظَّفرِ بإصابةِ ما يريدُ ـ وهو الدلالةُ الأخرى للفلاحِ ـ؛ لأنَّ السياقَ لا يُنَاسِبُ هذا المعنى، واللهُ أعلمُ.
فإنْ لم يكنْ في السِّياقِ ما يدلُّ على المدلولِ المرادِ، فإنَّك تعتمدُ تفسيرَ منْ هو موثوقٌ في فهمِه ونَقْلِهِ لِلُغَةِ العربِ؛ كالكسائيِّ (ت:١٨٣)، والفرَّاءِ (ت:٢٠٧)، وأبي عبيدةَ (ت:٢١٠)، والأصمعيِّ (ت:٢١٥)، وأبي زيدٍ الأنصاريِّ (ت:٢١٥)، وغيرِهم.
* ومِمَّا يجمُلُ ذكره هاهنا أنه لا يلزم أنْ يكون لِكُلِّ لفظٍ قرآنيٍّ شاهدٌ عربيٌّ؛ لأنَّ القرآنَ عربيٌ بذاته، كما قال تعالى:{وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيًّا}[الأحقاف: ١٢].
(١) البيت للبيد بن ربيعة، وهو في ديوانه بشرح الطوسي، تحقيق: حنَّا نصر (ص:١٠٣).