للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فورودُ اللَّفظِ في القرآنِ كافٍ في الحكمِ على عَرَبِيَّتِهِ، والقرآنُ في هذا يُحْتَجُّ به، ولا يُحْتَجُّ له أو عليه، وإنما يُستفادُ من الشِّعرِ في بيانِ ما خَفِي منْ معاني القرآنِ.

وقد وَرَدَتْ بعضُ الألفاظِ القرآنيَّةِ التي ليس لها شاهدٌ عربيٌّ، ولم يَعْرِفْ مدلولَها أهلُ اللُّغةِ، وإنما أخذوها عن المفسرين؛ كلفظ «التَّفَثِ» في قولِه تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: ٢٩]، قال الزَّجَّاجُ (ت:٣١١): «والتَّفثُ في التَّفسيرِ جاءَ، وأهلُ اللُّغةِ لا يعرفونَه إلا من التَّفسيرِ» (١).

وقال ابنُ دريدٍ (ت:٣٢١): «قالَ أبو عبيدةَ: هو قَصُّ الأظافرِ، وأخذُ الشَّاربِ، وكلُّ ما يحرمُ على المحرمِ، إلا النِّكاحَ. ولم يجئ فيه شعر يُحْتَجُّ به» (٢).

* ولقدْ حدثَ عندي تساؤلٌ، وهو: هل الاستشهادُ بالشِّعْرِ لإثباتِ صِحَّةِ التَّفسيرِ؟ أي أنَّ المفسِّرَ يُورِدُ الشَّاهدَ من الشِّعْرِ لِيُثْبِتَ أنَّ تفسيرَهُ صحيحٌ، ومثالُ ذلكَ:

ما يُورِدُهُ الأزهريُّ (ت:٣٧٠) في تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} [الكهف: ٥٢]، فيقول: «وقال أبو عبيدة: الموبق: الموعد في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} [الكهف: ٥٢]، واحتجَّ بقوله (٣):


(١) معاني القرآن وإعرابه، للزجاج، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي (٣:٤٢٢). وفي تهذيب اللغة (١٤:٢٦٦): «وقال الزجاج: التفث أهل اللغة لا يعرفونه ...».
(٢) جمهرة اللغة، لابن دريد، تحقيق: رمزي منير بعلبكي (١:٣٨٤). والذي في مجاز القرآن (٢:٥٠): «وهو الأخذ من الشارب وقصُّ الأظفار ونتف الإبط والاستحداد وحلق العانة». وليس فيه الجملة الأخيرة؛ فإما أن يكون النقل من غير المجاز، وإما أن يكون من قول ابن دريد. والله أعلم.
(٣) البيت لخفاف بن ندبة، وهو في ديوانه، ضمن كتاب: شعراء إسلاميون، تحقيق نوري القيسي (ص:٤٦٢)، وقد نقل القصيدة التي فيها البيت من الأصمعيات، تحقيق: أحمد شاكر وعبد السلام هارون (ص:٢٦)، والرواية فيها مخالفة لما رواه أبو عبيدة =

<<  <   >  >>