للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جَعَلْتَ عَيبَ الأكْرَمِينَ سَكَراً

أيْ: جعلتَ دمهم (١) طُعْماً لكَ، وهذا بالتَّفسيرِ الأوَّلِ أشبهُ، والمعنى: جعلتَ تَتَخَمَّرُ بأعراضِ الكرامِ، وهو أبينُ فيما يقالُ: الذي يتبركُ (٢) في أعراضِ النَّاسِ» (٣).

وفي لسانِ العربِ: «وقيلَ: السَّكَرُ ـ بالتحريكِ ـ: الطَّعامُ، وأنكرَ أهلُ اللُّغةِ هذا، والعربُ لا تعرفُهُ» (٤).

وهذا الذي قالهُ أبو عبيدةَ (ت:٢١٠) في دلالةِ اللَّفظِ، وأُنكِرَ عليه، جعله الطَّبريُّ (ت:٣١٠) أحدَ معاني السَّكرِ، فقال: «... إذ كان السَّكَرُ أحد معانيه عند العربِ، ومنْ نزلَ بلسانِه القرآنُ: هو كلُّ ما طُعِمَ» (٥).

فإذا تأمَّلتَ هذا المثالَ، وجدتَ أنَّ هذا المدلولَ مُخْتَلَفٌ فيه بينَ أنْ يكونَ منَ اللُّغةِ أو لا يكون، ثمَّ لو كان، فإنه مُخْتَلَفٌ في كونِه هو المرادَ ببيتِ الشِّعرِ، أو غيرَ مرادٍ، وكونُه أن لا يكونَ مراداً في الآيةِ أَولى، ومثل هذا الخلافِ في دلالةِ اللَّفظةِ في البيتِ وحملِها على اللَّفظِ في الآيةِ كثيرٌ (٦)، والله الموفق.

* استِفَادَةُ اللُّغويِّين من الشِّعرِ في بيانِ الأساليبِ القرآنيَّةِ:

اهتمَّ اللغويونُ بالشَّاهدِ الشِّعريِّ في بيانِ الأساليبِ العربيَّةِ التي نزلَ بها


(١) قرأها محقق معاني الزجاج: «دَمَهُم»، وهي غلط، والصوابُ «ذَمَّهُمْ»، وفي تحقيقه من أشباه هذا الخطأ كثير، وهذا الكتابُ يحتاج إلى إعادة تحقيقه، والله المستعان.
(٢) كذا قرأها المحقق، وفي نقل الأزهري لهذا الموضع في تهذيب اللغة (١٠:٥٨): «وهو أبين ما يقال للذي يبترك في أعراض الناس»، وهذه العبارة أوضح.
(٣) معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (٣:٢٠٩).
(٤) لسان العرب، مادة (سكر)، وينظر في المادة نفسها: تاج العروس.
(٥) تفسير الطبري، ط: الحلبي (١٤:١٣٨).
(٦) ينظر: تفسير «مقمحون» المجاز (٢:١٥٧)، واعترض عليه ابن دريد (١:٥٦٠)، وتفسير «رُحْماً» المجاز (١:٤١٢ - ٤١٣)، واعترض عليه الطبري (١٦: ٤ - ٥).

<<  <   >  >>