للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥ - ولذا اعترضَ على تعريفِ التوبةِ عندَ أبي المعالِي الجوينِي (ت:٤٧٨) (١): «وقال أبو المعالي في (الإرشادِ): التوبةُ في اصطلاحِ المتكلمينَ هي النَّدمُ (٢)، بعد أن قال: إنها في اللُّغةِ: الرجوعُ (٣)، ثُمَّ ركَّبَ على هذا أن قالَ: إنَّ الكافرَ إذا آمنَ ليسَ إيمانُه توبةً، وإنما توبتُه نَدَمُهُ بَعْدُ (٤).

قال القاضي أبو محمدٍ رحمه الله: والذي أقول: إنَّ التوبةَ عقدٌ في تركِ متوبٍ منه، يتقدَّمُها عِلْمٌ بفسادِ المتوبِ منه، وصلاحِ ما يرجعُ إليه، ويقترنُ بها ندمٌ على فارطِ المتوبِ منه لا ينفكُّ منه، وهو من شروطها.

فأقول: إنَّ إيمانَ الكافرِ هو التوبةُ من كفره؛ لأنه هو نفسُهُ رجوعُه.

وتابَ في كلامِ العربِ، معناه: رجعَ إلى الطَّاعةِ والأمثلِ من الأمورِ.

وتصرُّفُ اللَّفظةِ في القرآنِ بـ (إلى)، يقتضي أنها الرجوعُ لا الندم. وإنما الندمُ لاحِقٌ لازِمٌ للتَّوبةِ كما قلنا.

وحقيقةُ التَّوبةِ تركُ مثلِ ما تِيبَ منه عن عزْمَةٍ مُعتَقَدَةٍ على ما فسَّرناه، والله المستعانُ» (٥).


(١) عبد الملك بن عبد الله بن يوسف، أبو المعالي الجويني، إمام الحرمين، تعلَّم على والده الذي مات وعمر عبد الملك عشرون سنة، فخلف والده في التدريس، وذاع صيته، كان شافعياً في الفروع، أشعرياً في العقائد، ثم ترك علم الكلام في آخر أمره وتاب منه، له مؤلفات كثيرة، منها البرهان في أصول الفقه، وغيره، توفي سنة (٤٧٨). ينظر: سير أعلام النبلاء (١٨:٤٦٨ - ٤٧٧)، وطبقات الشافعية الكبرى (٣:٢٤٩ - ٢٨٣).
(٢) قال أبو المعالي في الإرشاد، تحقيق أسعد تميم (ص:٣٣٧): «فإن قيل: حرِّروا عبارةً في حقيقةِ التوبةِ على اصطلاحِكم.
قلنا: التوبة: هي الندم على المعصية ...».
(٣) ينظر: الإرشاد (ص:٣٣٧).
(٤) قال أبو المعالي: «الكافر إذا آمن بالله تعالى، فليس إيمانه توبة عن كفره، وإنما ندم على كفره ...». الإرشاد (ص:٣٤٢).
(٥) المحرر الوجيز، ط: قطر (٧:٣٢٠).

<<  <   >  >>