للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والزَّنادقةِ في أنَّ الميزانَ والسِّراطَ والجنَّة والنَّار والحشر ونحو ذلك إنما هي ألفاظٌ يرادُ بها غيرُ الظَّاهرِ.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فينبغي أن يُجرى في هذه الألفاظِ إلى حملها على حقائقها ...» (١).

وهذا الذي حَذِرَ منه قد وقعَ، وقد اعتمدَ بعضُ الفلاسفةِ الذينَ عاشوا في ظلِّ الإسلامِ على مبدَئِه في التَّأويلِ (٢)، وليسَ له أن يقولَ: هذه الأمورُ


(١) المحرر الوجيز، ط: قطر (٥:٤٣٢ - ٤٣٣).
(٢) ينظر مثلاً: كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، ومما ذكره في هذا الكتابِ أنَّ الشريعةَ على ثلاثةِ أقسامٍ:
ظاهرٌ لا يجوزُ تأويله ...
وظاهرٌ يجبُ على أهلِ البرهانِ تأويلُه، وحملهم إياه على ظاهره كفرٌ، وتأويل غير أهل البرهانِ له، وإخراجه عن ظاهره كفرٌ في حقِّهم أو بدعة، ومن هذا الصِّنفِ آيةُ الاستواء وحديث النُّزول ...
والصنف الثالث من الشرع مترددٌ بين هذين الصنفينِ، يقع فيه شكٌ، فيلحقُه قومٌ ممن يتعاطى النظر بالظاهر الذي لا يجوزُ تأويله، ويلحقه آخرونَ بالباطنِ الذي لا يجوزُ حمله على الظاهرِ ... ينظر: فصل المقال (ص:٢٧ - ٢٨).
ثمَّ قال: «فإن قيل: فإذا تبين أن الشرع في هذا على ثلاث مراتب، فمن أي المراتبِ الثلاثِ هو عندكم ما جاء في صفات المعاد وأحواله؟
فنقول: إنَّ هذه المسألة الأمر فيها بيِّنٌ أنها من الصنفِ المختلَفِ فيه، وذلك أنا نرى قوماً ينسبون أنفسهم إلى البرهان يقولون: إن الواجب حملها على ظاهرها إذ كان ليس هناك برهان يؤدي إلى استحالة الظاهر فيها، وهذه طريقة الأشعرية. وقوم آخرون ممن يتعاطون البرهان يتأوَّلونها، وهؤلاء يختلفون في تأويلها اختلافاً كثيراً، وفي هذا الصنف أبو حامد معدودٌ هو وكثيرٌ من المتصوفة ...». فصل المقال (ص:٢٨).
ومراده بالبرهان: الطرق الفلسفية، وأبو حامد هو الغزالي.
فينظر كيف أدَّى التأويلُ الذي سُلِّطَ على نصوصِ الوحيينِ إلى هذه المقالاتِ الزائفةِ، التي ليس فيها إلا الرجوعُ إلى العقولِ المجرَّدةِ، والعياذ باللهِ من الضلالِ.
وينظر في هذا الموضوعِ: موقف ابن تيمية من الأشاعرةِ، للدكتور: عبد الرحمن بن =

<<  <   >  >>