وموضوع مخالفته في معنى صفة المحبَّةِ يحتاجُ إلى مناقشةٍ أطول من هذا المكان، ولكن أنبِّه هنا إلى خطئه في تفسير المحبَّة، ذلك أن تفسيره لها ليسَ من المعروف في لغةِ العربِ، ولا يدلُّ عليه العقلُ. وقد وقع من لوازم تفسير المحبَّة بالإرادةِ أن تأوَّل بعضُ المتكلمينَ بعض الآياتِ على غيرِ الصوابِ، ومن ذلك، تفسير قوله تعالى: {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: ٢٠٥]، قال ابن عطية: «و (لا يحب) معناه: لا يُحبُّه من أهلِ الصلاحِ، أو لا يحبُّه ديناً، وإلاَّ فلا يقع ما يحبُّ الله وقوعَه، والفساد واقعٌ، وهذا على ما ذهبَ إليه المتكلِّمونَ من أنَّ الحبَّ بمعنى الإرادةِ. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والحبُّ له على الإرادة مزيَّةُ إيثارٍ، فلو قال أحدٌ: إنَّ الفسادَ تنقصه مزيَّةُ الإيثارِ لصحَّ ذلك، إذ الحبُّ من اللهِ تعالى إنما هو لما حسُنَ من جميعِ جهاته». المحرر الوجيز، ط: قطر (٢:١٩٢). وتفسير لا يحبُ: لا يحبه من أهل الصلاحِ عليه اعتراضانِ: الأولُ: أنه يلزم من هذا التفسيرِ لازمٌ باطلٌ، وهو أنه يفهم منه أنه يحبُّه من أهل الفسادِ، وهذا المعنى غيرُ صحيحٍ. الثاني: أنَّ المعنى لو كان صحيحاً، فإنه لا يصحُّ حمل الآيةِ عليه؛ لأن سياق الآية في الكافرِ الألدِّ الخَصِمِ، لا المؤمن، وإدخالُ المؤمنِ في المعنى تحكُّمٌ لا دليلَ عليه. والموضوع فيه أكثر من هذا، أكتفي بما أوردته، واللهُ الموفِّقُ.