للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال في قوله تعالى: {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣]: «و {يَجْحَدُونَ}، حقيقته في كلام العربِ: الإنكارُ بعد المعرفةِ، وهو ضدُّ الإقرار ...» (١). ثمَّ قال: «وكفر العناد جائزُ الوقوعِ بمقتضى النَّظرِ، وظواهرُ القرآنِ تعطيه؛ كقوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: ١٤]، وغيرها ...» (٢)، ثُمَّ قالَ: «وأنا أستبعدُ العنادَ مع المعرفةِ التامَّةِ» (٣).

وكيف يستبعد هذا مع قولِ الله: {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}، وإلاَّ فما معنى اليقين، أليسَ هذا هو تمامُ العلمِ والمعرفةِ بالشيءِ؟!

وهذا الموضوع مرتبطٌ بأصلٍ من أصولِ العقائد عنده، وهو مفهومُ الإيمانِ، أنه التَّصديقُ، ولذا لا يرى فيه الزيادة ولا النقصانَ، مخالفاً بذلك صريحَ النصوصِ التي تدلُّ على ذلك، ومن ذلك قوله: «وقوله تعالى: {فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [آل عمران: ١٧٣]؛ أي: ثبوتاً واستعداداً، فزيادةُ الإيمانِ في هذا هي في الأعمالِ.

وقد أطلقَ العلماءُ عبارةَ: إنَّ الإيمانَ يزيدُ وينقصُ، والعقيدةُ في هذا أنَّ نفسَ الإيمانِ الذي هو تصديقٌ واحدٌ بشيءٍ ما، إنما هو معنى فردٌ، لا تدخلهُ زيادةٌ إذا حصلَ، ولا يبقى منه شيءٌ إذا زالَ ...» (٤).

وهذا المفهوم الخاطئ في المرادِ بالإيمانِ الشَّرعيِّ (٥)، هو الذي جعله يستبعدُ وقوع كفر العنادِ مع المعرفةِ التَّامَّةِ؛ لأنَّ مجرَّدَ استيقانِه بالنُّبوَّةِ تصديقٌ،


(١) المحرر الوجيز، ط: قطر (٥:١٨٢).
(٢) المحرر الوجيز، ط: قطر (٥:١٨٣).
(٣) المحرر الوجيز، ط: قطر (٥:١٨٤).
(٤) المحرر الوجيز، ط: قطر (٣:٤٢٤).
(٥) سيأتي نقاشُ مصطلحِ الإيمانِ في الباب الثالث، تحت قاعدة: لا يصح اعتمادُ اللغة دون غيرها من المصادر التفسيرية.

<<  <   >  >>