للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فجوَّزت ذلك فرقةٌ، وقالتْ: يجوزُ أن يكونَ الرجلُ عارفاً، إلاَّ أنَّه يجحدُ عناداً ويموتُ على معرفتِهِ وجحودِه، فهو بذلك في حكمِ الكافرِ المخلَّدِ، قالوا: وهذا حُكمُ إبليسَ، وحكمُ حييِّ بنِ أخطبٍ وأخيه، حسبَما رُوِيَ عنهما.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإن عُورِضَ هذا المثالُ، فُرِضَ إنسانٌ ويجوزُ (١) فيه ذلك.

وقالت فرقةٌ: لا يصِحُّ لوجهينِ:

أحدهما: أنَّ هذا لا يجوزُ وقوعُه من عاقلٍ.

والوجهُ الآخر: أنَّ المعرفةَ تقتضي أنْ يَحِلَّ في القلبِ، وذلكَ إيمانٌ، وحكمُ الكافرِ لا يلحقُه، إلاَّ بأن يَحِلَّ في القلبِ كفرٌ، ولا يصحُّ اجتماعُ الضِّدينِ في محلٍّ.

قالوا: ويشبهُ في هذا العارفُ الجاحدُ أن يُسلبَ عندَ الموافاةِ تلك المعرفة، ويحل بدلَها الكفرُ.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والذي يظهرُ عندي في هذه الآيةِ وكلِّ ما جرى مجراها: أنَّ الكفرةَ كانوا إذا نظروا في آياتِ موسى أعطتهم عقولُهم أنَّها ليست تحت قدرةِ البشرِ، حصلَ لهم اليقينُ أنها من عند اللهِ تعالى، فيغلبُهم أثناء ذلك الحسدُ، ويتمسَّكونَ بالظنونِ في أنه سِحرٌ وغير ذلك مما يختلجُ في الظَّنِّ بحسبِ كلِّ آيةٍ، ويلجون في ذلك، حتى يُستلبَ ذلك اليقين أو يدوم كذلك مضطرباً. وحُكمه حكمُ المستلَبِ في وجوه عذابهم» (٢).


(١) الصواب بإسقاط الواو، وهي غير موجودة في المحرر الوجيز، ط: قطر (١١:١٧٩).
(٢) المحرر الوجيز، ط: المغرب (١٢:٩٦ - ٩٧). وقد نقلتُه منها لأنَّ في طبعة: قطر (١١:١٧٩ - ١٨٠) سقطٌ مخلٌّ يُقدَّر بسطرينِ، والله المستعانُ، وقد كرر هذه النظرية في (٥:١٨٢ - ١٨٤)، وينظر: (١:٢٤٩، ٤٤٦، ٤٤٧)، (٤:٣٠٤ - ٣٠٥)، (١٢:٤٨٩ - ٤٩٠).

<<  <   >  >>