للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - ذِكْرُ الْمُحْتَمَلاَتِ اللُّغَوِيَّةِ للنَّصِّ القرآنيِ:

لَمَّا كانتِ المباحثُ العربيةُ هي الوجهةُ التي سَلَكَهَا الفراءُ (ت:٢٠٧) في كتابِه (معاني القرآن)، فإنَّ اهتمامه بالمحتملاتِ اللغويةِ للنَّصِّ القرآني كانَ أحدَ هذه المباحثِ التي رَكَّزَ عليها في البيانِ.

ويظهرُ في مثلِ هذه المحتملاتِ ـ إذا كانتْ مشكلةً في التعبيرِ ـ حِرْصَهُ على إيرادِ الشواهدِ والأساليبِ الكلاميةِ التي تُبَيِّنُ النَّصَّ القرآنيَ، ومنْ ذلكَ:

* ما ذكره في تفسيرِ قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٧١]، قال: «أضافَ المثلَ إلى الذينَ كفروا، ثمَّ شبَّهَهم بالرَّاعي، ولم يقلْ: كالغنمِ، والمعنى ـ واللهُ أعلمْ ـ: مثلُ الذي كفروا كمثلِ البهائمِ التي لا تَفْقَهُ ما يقولُ الراعي أكثرَ من الصوتِ، فلو قالَ لها: ارعِيْ أو اشربي، لم تدْرِ ما يقولُ لها، فكذلكَ مثلُ الذينَ كفروا فيما يأتيهم منْ القرآنِ وإنذارِ الرسولِ.

فأضيفَ التَّشبيهُ إلى الرَّاعي، والمعنى ـ والله أعلمُ ـ في المرعيِّ، وهو ظاهرٌ في كلامِ العربِ أنْ يقولوا: فلانٌ يخافُكَ كخوفِ الأسدِ، والمعنى: كخوفِه الأسدَ؛ لأنَّ الأسدَ هو المعروفُ بأنَّه المخوفُ، وقال الشاعرُ (١):

لَقَدْ خِفْتُ حَتَى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي ... عَلَى وَعْلٍ في ذِي المَطَارَةِ عَاقِلُ

والمعنى: حتى ما تزيدُ مخافَةَ وَعْلٍ على مخافتي، وقالَ الآخرُ (٢):

كَانَتْ فَرِيضَةَ مَا تَقُولُ كَمَا ... كَانَ الزِّنَاءُ فَرِيضَةَ الرَّجْمِ

والمعنى كما كان الرَّجم فريضة الزِّنَى، فيتهاون الشَّاعر بوضع الكلمة


(١) البيت للنابغة الذبياني، في ديوانه، تحقيق: محمد الطاهر بن عاشور (ص:١٩٨)، وقال في شرحه: ذو المطارة: اسم جبل، وهو بفتح الميم، عاقل: متحصن، فيه فرار من الصيادين.
(٢) البيت للنابغة الذبياني في ديوانه، تحقيق: عبد العزيز رباح (ص:٢٣٥).

<<  <   >  >>