للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أي: لا تذهبُ عقولُهم، يقالُ للرجلِ إذا سَكِرَ: قد نُزِفَ عقلُهُ، وإذا ذهبَ دمُهُ وغُشِيَ عليه أو ماتَ، قيل: منْزوف.

ومن قرأ: «يُنْزِفُونَ» يقول: لا تفنى خمرُهم، والعرب تقول للقوم إذا فَنِيَ زادُهم: قد أَنْزَفُوا، وأَقْتَرُوا، وأَنْفَضُوا، وأَرْقَلُوا، وأَمْلَقُوا» (١).

* وقالَ: «وقولُه عزّ وجل: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار: ٧] قرأها الأعمشُ (٢) وعاصمٌ «فَعَدَلَكَ» مخففةً، وقرأها أهل الحجاز «فعدَّلك» مشدَّدة.

فمنْ قرأها بالتَّخفيفِ، فوجهُهُ ـ والله أعلم ـ: فصَرَفَكَ إلى أيِّ صورةٍ شاءَ، إمَّا: حَسَنٍ، أو قبيحٍ، أو طويلٍ، أو قصيرٍ ... ومنْ قرأ: «فعدَّلَكَ» مشدَّدةً، فإنه أرادَ ـ واللهُ أعلمُ ـ جعلكَ مُعْتَدِلاً مُعَدَّلَ الخَلْقِ، وهو أعجبُ الوجهينِ إليَّ، وأجودُها في العربيةِ؛ لأنك تقولُ: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: ٨]، فتجعلُ (في) للتَّركيبِ، أقوى في العربيَّةِ مِنْ أنْ يكونَ (في) للعَدْلِ؛ لأنَّك تقولُ: عَدَلْتُكَ إلى كذا وكذا، وصَرَفْتُكَ إلى كذا وكذا، أجودُ منْ أنْ تقولَ: عَدَلْتُكَ فيه، وصَرَفْتُكَ فيه» (٣).

٥ - الأُسْلُوبُ العَرَبِيُّ فِي الخِطَابِ القُرْآنِيِّ:

بيَّنَ الفرَّاءُ (ت:٢٠٧) كثيراً منَ الأساليبِ العربيَّةِ النَّحويَّةِ، واستشهدَ لها


(١) معاني القرآن (٣:١٢٣).
(٢) سليمان بن مِهران الأعمش، أبو محمد الكوفي، الإمام العلم، روى عن عبد الله بن أبي أوفى وسعيد بن جبير وغيرهما، وقرأ عليه حمزة الزيات، وروى عنه السفيانان وغيرهم، كان صاحب مُلَحٍ ونوادر، توفي سنة (١٤٨)، ومعرفة القراء الكبار (١:٩٤ - ٩٦)، وغاية النهاية (١:٣١٥ - ٣١٦).
(٣) معاني القرآن (٣:٢٤٤)، وينظر أمثلة أخرى في (١:٦٤، ٦٩ - ٧٠، ٧٥، ١٧٧)، (٢:٢٣٩، ٢٥٢، ٢٥٣)، (٣:٣٢، ٣٦، ٧٩ - ٨٠، ٢٤٣. ٢٤٤، ٢٥٢، ٢٥٤، ٢٦١، ٢٦٢، ٢٦٥).

<<  <   >  >>