للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بيَّن الفراءُ (ت:٢٠٧) في هذا النَّصِّ أنَّه جازَ الحديثُ عَنِ الماضي بفعلٍ دالٍ على الاستقبالِ؛ لأنَّ في الكلامِ دليلاً على إرادةِ المُضِي.

قال الزجاجُ (ت:٣١١): «وإنما جازَ أنْ يُذكَرَ هاهنا لفظُ الاستقبالِ والمعنى المُضِي؛ لقوله: {مِنْ قَبْلُ}» (١).

كما بين الفرَّاء (ت:٢٠٧) أنَّه جازَ خطابُ الحاضرينَ بما فعلَه الأسلافُ منهم لرضاهم بهذا العملِ، حتى صاروا كأنهم فعلُوه بأنفسِهِم، إذ الراضي كالفاعلِ، وما ذكره مِنْ نَسْبِ القتلِ إلى حاضري التَّنْزيلِ أسلوبٌ عربيٌّ عريقٌ.

وقد شرحَ الطبريُّ (ت:٣١٠) ذلكَ الأسلوب، فقالَ: «وإنما جازَ أنْ يُقالَ: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [البقرة: ٤٩]، والخطابُ بهِ لِمَنْ لَمْ يدركْ فرعونَ ولا الْمُنَجَّينَ منه؛ لأنَّ المخاطَبينَ بذلكَ كانوا أبناءَ من نجَّاهم مِن فرعونَ وقومِه، فأضافَ ما كانَ منْ نِعَمِهِ على آبائهم إليهم، وكذلكَ ما كانَ منْ كُفْرَانِ آبائهم على وجهِ الإضافةِ؛ كما يقولُ القائلُ لآخر: فعلنا بكم كذا، وقتلناكم، وسبيناكم، والمُخْبِرُ: إمَّا أنْ يكونَ يعني قومَه وعشيرتَه بذلكَ، أو أهلَ بلدِهِ ووطنِهِ، كانَ المَقُولُ له ذلكَ أدرك ما فُعِلَ بهم من ذلك أوْ لَمْ يدركْه؛ كما قالَ الأخْطَلُ (٢) يهاجي جريرَ بنَ عَطِيَّة:

وَلَقَدْ سَمَا لَكُمُ الهُذَيلُ فَنَالَكُمْ ... بِإرَابَ، حَيْثُ يُقَسِّمُ الأنْفَالاَ

في فَيلَقٍ، يَدْعُو الأَرَاقِمَ، لَمْ تَكُنْ ... فُرْسَانُهُ عُزْلاً وَلاَ أَكْفَالاَ

ولم يلحقْ جريرٌ هذيلاً ولا أدركَه ولا أدركَ إرابَ ولا شهده. ولكنه لما


(١) معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (١:١٧٥).
(٢) غياث بن الصَّلت، أبو مالك، المشهور بالأخطل، التغلبي النصراني، قال الشعر لمعاوية وعبد الملك، وكان يهاجي جريراً وينتصر عليه للفرزدق. ينظر: الشعر والشعراء (١:٤٨٣ - ٤٩٦)، ومعجم الشعراء (ص:١٣).
والبيت في ديوانه، بشرح: مهدي محمد ناصر الدين (ص:٢٤٨).

<<  <   >  >>