للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلاميَّةِ مجادلةً معَ المعتزلةِ، حتى يكادُ يُخَيَّلُ للقارئ في هذه المناقشاتِ أنَّه لا يوجدُ في الفِرَقَ الإسلاميَّةِ إلاَّ هاتانِ الفِرْقَتَانِ.

وليسَ المرادُ هاهنا الحديثُ عن الفِرَقِ، وإنما ذِكْرُ بعضِ أمثلةٍ لِمَا وَقَعَ منها بسببِ البُعْدِ عن القرآنِ والسنَّةِ وآثارِ السَّلفِ الصَّالحِ، والاتجاهِ إلى العَقْلِ وجعْلِهِ الحُجَّة في الحكمِ على المسائلِ العقديَّةِ والنُّصوصِ الشَّرعيَّةِ.

وبتتبع بعض أسماء المنحرفين (١) يتبين أنَّ الانحرافَ بدأ قديماً، ثمَّ إنَّه نَمَا شيئاً فشيئاً حتى تكوَّنَتْ منه فِرَقٌ وعقائدٌ.

وقدْ كانَ لنُشُوءِ الفِرَقِ في الإسلامِ أثرٌ كبيرٌ في هذا الانحرافِ، وكانَ اتِّسَاعُ اللُّغةِ أحدَ مُعْتَمدَاتِهم في إثباتِ بعضِ بِدَعِهِمْ في بعضِ الأحيانِ. وقدْ ظَهَرَ لي منْ تَتَبُّعِ هذه الانحرافاتِ أنَّ سببَها ـ في الغالب ـ الاعتمادُ على العقلِ؛ أي أنَّ المفسِّرَ يعتقدُ رأياً بمحضِ عقلِهِ ثُمَّ يتأوَّلُ كلامَ اللهِ عليه، مستعيناً على هذا باتِّسَاعِ اللُّغةِ.

ومنْ نتائجِ ذلك أنَّك لا ترى عندَهم حكايةَ أقوالِ علماءِ التَّفْسِيرِ من السَّلَفِ، بلْ أعرضَ عنها جمهورُ المبتدعةِ، وعارضُوها في بعضِ الأحيانِ، واعتمدوا النَّقلَ عن أكابرِهِم، والاعتدادَ برأيهم دونَ غيرِهم.

وليس هذا محلاً لطرحِ هذه المسائلِ، وإنما جرَّ إليها التَّقْدُمَةُ للانحرافِ الكائنِ في التَّفسيرِ اللُّغويِّ، فاستطردتُ بما أراه ممهِّداً لموضوعي (٢).


(١) كعبد اللهِ بن سبأ اليهودي (ت: بعد٤٠)، وسنسويه النصراني القدري، ومعبد الجهني القدري (ت:٨٠)، وغيلان الدمشقي القدري (ت: بعد١٠٥)، والجعد بن درهم (ت:١٢٤)، والجهم بن صفوان (ت:١٢٨)، وواصل بن عطاء المعتزلي (ت:١٣١)، وعمرو بن عبيد المعتزلي (ت:١٤٤)، وبشر بن غيَّاث المريسي المعتزلي (ت:٢١٩)، والنظَّام (ت:٢٣١)، وأبي الهذيل العلاف (ت:٢٣٥)، وغيرهم.
(٢) قرأت كثيراً لكتابةِ هذا التمهيدِ، وتكوَّن لديَّ مبحثٌ كبيرٌ فاختصرته، واقتصرتُ على ما كتبته آنفاً، والموضوعُ يحتاج إلى بسطٍ أوسع، لأهميَّته، مع ملاحظتِه شُحَّ =

<<  <   >  >>