للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد اجتهدتُ في تتبُّعِ بعضِ التَّفاسيرِ المنحرفةِ التي كانت في القرونِ الأولى، فظهرَ لي بعضُ الأمثلةِ التي سأعرضُ لها في هذا البحثِ.

وقد كادت تخلو تفاسير السَّلفِ من الأخطاءِ التي وُجِدت عند من بعدَهم (١)، إلاَّ أنَّ هناك نزرٌ يسيرٌ منها عند إمامِ التَّابعينَ مجاهدُ (ت:١٠٤) لا يمكنُ لباحثٍ في مثلِ هذا الموضوعِ أنْ يغفلَ عن ذكرِها (٢).

وهذه الأخطاءُ التي سجَّلَها العلماءُ عليه ليستْ كثيرةً بحيثُ يتكوَّنُ منها منهجٌ يُحسبُ على مجاهدٍ (ت:١٠٤). وهي أخطاء فردية، لم تُذكرْ إلاَّ عنه، ولذا لا يمكنُ عَدُّهَا منْ منهجِ السَّلفِ رضي الله عنهم، لأنَّه خالفَ فيها أشياخَه وأقرانَه.

والمسألةُ التي كانتْ تُلِحُّ عليَّ في بحثِ هذه الملاحظاتِ في تفسيراتِ مجاهدٍ (ت:١٠٤) هي: هلْ كانتْ هذهِ الأخطاءُ من اجتهادِهِ المباشِرِ، أو أنَّه تأثَّرَ بغيرِه؟. وإنْ كانَ تأثَّرَ بغيرِه، فمنْ يكونُ؟.


= المعلومات عن أوائلِ الأفكارِ المنحرفةِ، إذ لا تجدُ في غالب التَّراجمِ إلاَّ وصفاً للمترجَمِ له بسوءِ المعتَقدِ.
(١) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأما النوع الثاني من سَبَبَي الاختلاف، وهو ما يُعلم بالاستدلال لا بالنقلِ، فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتينِ حدثتا بعد تفسيرِ الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، فإن التفاسير التي يُذكَرُ فيها كلام هؤلاء صِرْفاً لا يكادُ يوجدُ فيها شيءٌ من هاتين الجهتين ...». مقدمة في أصول التفسير (ص:٧٩).
(٢) من هذه التفاسير:
١ - في قوله تعالى: {قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: ٦٥]، قال: «لم يُمسخوا، إنما هو مثلٌ ضربه الله لهم، مثلُ ما ضربَ مثل الحمار يحمل أسفاراً». تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (٢:١٧٢، ١٧٣).
٢ - في قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٣]، قال: «تنتظر الثواب من ربها، لا يراه من خلقه شيء»، تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٩:١٩٢)، وفيه روايات أخرى بمعناها عنه وعن أبي صالح.
٣ - وقال في قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة: ٦]، قال: «ليس ميزان، إنما هو مثلٌ ضُرِبَ». تفسير الطبري، ط: الحلبي (٣٠:٢٨٢).

<<  <   >  >>