للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمدلولِ لفظٍ يشابهه في الرَّسمِ، وإنْ اختلفَ عنه في الحركاتِ، التي ينتجُ عنها اختلافُ المدلولِ، وهذه الطَّريقةُ قليلةٌ، ولكَّنها واردةٌ في بعضِ الأمثلةِ، ومنها:

١ - في قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١] قالوا: «أي: بَشِمَ منْ أَكْلِ الشَّجرةِ، وذهبوا إلى قَولِ العربِ: غَوِيَ الفَصِيلُ: إذا أكثرَ منَ اللَّبَنِ حتى يَبْشَمَ» (١).

فانظرْ، كيفَ حرَّفوا اللفظَ، وجعلوه من غَوِيَ، ونَصُّ القرآنِ «غَوَى»؟!

وإنما دعاهم إلى هذا التَّحريفِ مفهومُ العِصْمَةِ عندهم، وأنَّ النَّبِيَّ لا يجوزُ عليه الخطأُ، وقد يكونُ هذا القولُ بالعصمةِ مبنيًّا على مسألةِ أصحابِ الكبائرِ والقولِ بتخليدِهم في النَّارِ عندَ المعتزلةِ، فيحرِّفون أيَّ نصٍّ وردَ فيه خطأٌ من نبيٍّ؛ لئلاَّ يَخْرِمُوا ما قرَّرُوهُ في هذا المبدأ، فَيُخَرِّجُونَ أخطاءَ الأنبياءِ بأسمجِ التَّخْرِيجَاتِ؛ كهذا التخريجِ.

ولو وجدوا أيضاً في «عَصَى» مثلَ هذا السَّنَنِ لَرَكِبُوه، وليسَ في «غَوَى» شيءٌ إلاَّ ما في «عَصَى» منْ معنى الذَّنْبِ؛ لأنَّ العاصي للهِ التَّاركِ لأمرِهِ غاوٍ في حالِهِ تلكَ، والغاوي: عاصٍ. والغَيُّ ضِدُّ الرَّشَدِ، كما المعصيةُ ضِدُّ الطاعةِ (٢).

قالَ ابنُ قتيبةَ (ت:٢٧٦): «وقدْ أكلَ آدمُ صلّى الله عليه وسلّم منَ الشَّجرةِ التي نُهِيَ عنها، باستزلالِ إبليسَ وخدائعِهِ إياه باللهِ، والقَسَمِ به إنه لمنَ النَّاصحينَ، حتى دَلاَّه بغرورٍ. ولم يكنْ ذنبُهُ عن إرصادٍ وعداوةٍ وإرهاصٍ كذنوبِ أعداءِ اللهِ.


(١) ينظر: تأويل مشكل القرآن (ص:٤٠٢)، والاختلاف في اللفظ (ص:٣٦). وقد جعله الكرماني في كتابه «غرائب التفسير» من العجيب الذي فيه أدنى خلل ونظر (١:٧٣١).
(٢) ينظر: تأويل مشكل القرآن (ص:٤٠٣).

<<  <   >  >>