للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأصلُ في ذلك: أنه إذا ثبتَ النَّصُّ، طاحَ ما دونَه، فلا يُحكمُ باللغةِ على اصطلاحِ الشَّريعةِ.

قال أبو الهيثم (١): «اعترضَ قومٌ فأنكروا أنْ يكونَ الصُّورُ قَرْناً، كما أنكروا العَرْشَ والميزانَ والصِّراط (٢): وادَّعوا أنَّ الصُّورَ: جمعُ الصُّورَةِ (٣)، كما أن الصُّوفَ جمعُ الصُّوفَةِ، والثُّومَ جمعُ الثُّومَةِ، ورَوَوا ذلكَ عنْ أبي عُبَيدَةَ.

قالَ أبو الهيثمِ: وهذا خَطأٌ وتحريفٌ لكَلِمِ الله عن مواضِعِها؛ لأنَّ الله جلَّ وعزَّ قال: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر: ٦٤] بفتْح الواوِ، ولا نعلمُ أحداً من القُرَّاءِ قرأها: فأحسنَ صُورَكم. وكذلك قال الله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [الكهف: ٩٩، وغيرها] فمنْ قَرَأها: ونُفِخَ فِي الصُّوَرِ، أو قرأ: فأحسن صُوْرَكم، فقدِ افترى الكذبَ وبَدَّلَ كتابَ اللهِ، وكانَ أبو عبيدةَ صاحبَ أخبارٍ وغريبٍ، ولم يكنْ له معرفةٌ بالنَّحْوِ» (٤).


(١) اشتهر أبو الهيثم بكنيته، وكان عالماً بالعربية، دقيق النظر، وكان ورعاً، صاحب سنة، لازمه المنذري، وقرأ عليه الكتبَ، وله مؤلفات منها: زيادات معاني القرآن للفراء، توفي سنة (٢٢٦). ينظر: نزهة الألباء (ص:١١٨)، وإنباه الرواة (٤:١٨٨).
(٢) قال الإمام أبو علي الحسن بن أحمد البنَّا الحنبلي: «وأما القدرية والمعتزلة وأنواعهم، فينكرون الصراط والميزان والكرسي ..». ينظر كتابه: المختار في أصول السنة، تحقيق: عبد الرزاق البدر (ص:٨٧).
(٣) ممن قال بذلك: أبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي المعتزلي (٣١٩)، كما ذكر عنه ابن الوزير المغربي في كتابه «المصابيح في تفسير القرآن» عند قوله تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [الأنعام: ٧٣]، وقد ردَّ عليه، فقال: «وأخطأ إنما جمع صورة صورة [كذا] والصور: القرن الذي ينفخ فيه المَلَكُ، فيكون فيه الصوت الذي يصعق أهل السموات والأرض». مخطوط المصابيح في تفسير القرآن (آية: ٧٣ من سورة الأنعام/ورقة ١٠٤أ).
(٤) تهذيب اللغة (١٢/ ٢٢٨). وقد عقَّب الأزهري، فقال: «قد احتجَّ أبو الهيثم فأحسن الاحتجاج، ولا يجوز عندي غير ما ذهب إليه، وهو قول أهل السنة والجماعة، والدليل على صحة ما قالوا: أنَّ الله ـ جلَّ وعزَّ ـ ذكر تصوير الخلق في الأرحام قبل =

<<  <   >  >>